تقديم كلمة"مواخر "وتأخيرها بذكر الفُلك
قال الله تعالى " وَمَا كَانَ هَٰذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَىٰ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ " .
فما من كلمةٍ أو حرفٍ أو جملةٍ في كتاب الله إلا وقد أُحكم وضعها بميزان رباني لا خلل فيه أو نقصان ، فسبحان من هذا كلامه ، تبارك وتعالى عما يقولون ويشاركون به علوًا كبيرا .
ومن سمات كتاب الله آيات متشابهات المبنى لكنها غاية في الإعجاز والبيان والذي يكتمل إذا ما تراصوا جنبًا إلى جنب إذ تعطي كلا من تلكم الآيات جانبًا أو شقًا من المراد الأسمى منها ، وفي هذا المعنى يقول الله تعالى " اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ " .
ومن أمثلة هذه الآيات المتشابهات ما ورد في سورتي النحل وفاطر .
قال الله تعالى " وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ " . الآية ١٤ النحل
وقال الله تعالى " وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ۖ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا ۖ وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ " . الآية ١٢ فاطر
فما الذي تعنيه " مواخر فيه " ، " وفيه مواخر " ، وما دلالة تقديم وتأخير مواخر على فيه في الآيتين الكريمتين .
ما معنى كلمة مواخر
فقد ذكر اللغويون أن أصل المخر هو شق الماء عن اليمين والشمال ويقال مَخَرت السفينة أو تمخُر بالضم أو تمخَر بالفتح مخرًا أو مخورًا فهي ماخرة عندما تشق الماء ويصاحبه صوت .
بينما ذهب أهل التفسير إلى أن مواخر فيه تعني مُقبلة ومدبرة والمخر هو صوت جريان السفينة في الماء .
وفي آية سورة النحل ترديد وتذكير بأنعم الله التي سخرها الله تعالى لعباده ، ومن هذه النعم الفلك أو السفن وما تتجلى فيها من قدرة الله إذ تشق الماء بقدرته ، فكان من المناسب والملائم ذكر " مواخر فيه " لتلفت الآية الانتباه إلى الفلك خاصة كنعمة تستحق الشكر والحمد لله .
بينما في آية سورة فاطر ترديد وتذكير بأنعم الله التي حواها البحر وما اتسمت به من تنوع ، ومن بينها أيضا رؤية الفلك " فيه مواخر " فالحديث في هذه الآية ينصب على الماء فكان من الملائم والمناسب ذكر جملة " فيه مواخر " .
ولنتأمل ثانية قوله تعالى " وترى الفلك مواخر فيه " وقد جاءت مواخر مباشرة كمفعول به للفاعل الفلك لتؤكد الحث على التأمل في هذه النعمة .
بينما جاء قوله تعالى " وترى الفلك فيه مواخر " وقد جاءت كلمة " فيه " كظرف مقدم مباشرة على المفعول به الذي تأخر ليتأكد معنى التأمل في نعمة الماء الذي سخره الله سبحانه وتعالى للإنسان فترى السفن فيه تسير بيسر بقدرته جل في علاه .
وصدق الله سبحانه وتعالى إذ يقول " وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ، إن الإنسان لظلوم كفار " .
وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرًا .