لا تسألوا عن أشياء إن تُبد لكم تسؤكم
recent
أخبار ساخنة

لا تسألوا عن أشياء إن تُبد لكم تسؤكم

Don't ask about things that, if they seem to you, offend you

 

لا تسألوا عن أشياء إن تُبد لكم تسؤكم

قال الله تعالى " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " .

وقال الله تعالى " طه ، ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى " .

ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، ولنْ يُشادَّ الدِّينُ إلاَّ غَلَبه فسدِّدُوا وقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، واسْتعِينُوا بِالْغدْوةِ والرَّوْحةِ وشَيْءٍ مِن الدُّلْجةِ " .

ولما كان دينُ الله يُسر ، وشريعة الإسلام سمحة ، وتنحى منحى التيسير واللين ، وسعة الخيارات بين البدائل ، فما خُير صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما، نجد في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ألوانًا شتى من أمثلة التخفيف والبعد عن المشقة والعنت ، واعتماد مذهبه صلى الله عليه وسلم القائل " إن القلوب إذا كلت عميت " .

ومن مظاهر التيسير واجتناب المشقة في الشريعة الغراء ما ورد بالآية الكريمة " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ " .

فهذه الآية تأمر المؤمنين بألا يسألوا عن أمور لم تزل بعد في عداد الغيب ، أو أمور خفية لم يتناولها الوحي أو يأت بتكاليف لها ، فيكون هذا السؤال بمثابة استدعاء لتكاليف أكثر شدة ومؤنة .

وقد حذرت الآية التالية من مواجهة مصير قومٍ أتوا ما نهت عنه سابقتها ثم أصبحوا بها كافرين ، إذ تقول الآية التالية " قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ " .

أسباب نزولها

وقد تعددت الأسباب وتنوعت بشأن نزول هذه الآية ، فمنها ما لم يكن إلا استهزاءً كسؤال أحدهم النبي صلى الله عليه وسلم عن اسم أبيه ، أو السؤال عن ناقة ضالة .

ولعل من أهم وأدعى الأسباب لنزول هذه الآية للنهي عن مثل هذه الأسئلة ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه حيث قال " خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: "يا أيها الناس، قد فرض الله عليكم الحج، فحجّوا" فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ( لو قلت: نعم لوجبت، ولو وجبت لما استطعتم ) فأنزل الله هذه الآية * يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْألُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ * .

فلا ينبغي للمؤمن أن يسأل عن أشياء سكت عنها الشرع ، فيكون السؤال سببًا للتشديد كما في المثل السابق ، وفي هذا المعنى ورد الحديث النبوي الشريف في مسلم عن عامر بن سعد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن أعظم المسلمين جُرما من سأل عن شيء لم يحرّم ، فحرّم من أجل مسألته " .

وفي بيان أعمق وأعظم تبيانا للمعنى السابق جاء حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الدارقطني وغيره عن ثعلبة الخشني إذ قال صلوات الله وسلامه عليه " إن الله تعالى فرض فرائض، فلا تضيّعوها، وحدّ حدودًا فلا تعتدوها، وحرّم أشياءً فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء، رحمة لكم غير نسيان، فلا تبحثوا عنها " .

وفي القرآن أمثلة عديدة لهؤلاء الأقوام الذين طالما سألوا أنبيائهم عن أشياء أصبحوا بها كافرين .

فها هم قوم عيسى عليه السلام لما سألوه أن ينزل ربه عليهم مائدة ، ثم أصبحوا بها وبرسالته كافرين.

ومن قبل ما كان منهم مع نبي الله موسى عليه السلام عندما أمرهم ربهم على لسان نبيهم أن يذبحوا بقرة ، فما زالوا يراوغون ويماطلون في تنفيذ أمر الله بكثرة السؤال واللدد ، حتى شدد الله عليكم الأمر ولولا رحمة الله عليهم وحلمه بهم لكانوا من الهالكين ، وقد جاءت هذه القصة في سورة البقرة في الآيات " وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ۖ قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ۖ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ، قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ ۚ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَٰلِكَ ۖ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ ، قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ، قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ ، قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا ۚ قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ۚ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ .

ومن أجمل وأكمل ما جاء تتويجًا للمعنى العظيم في تلكم الآية تفصيلاً وتأويلاً ما رواه مسلم والبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه إذ يقول سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول " ما نهيتكم عنه فاجتنبوه ، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم ، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم ، واختلافهم على أنبيائهم .

فاللهم ربنا اهدنا سبيل الرشاد ، وعافنا واعف عنا ، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك ، يا رحمن يا رحيم .

وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .


google-playkhamsatmostaqltradent