ما الفرق بين إبليس والشيطان
لعل الكثير لا يدرك الفرق بين كلمتي إبليس والشيطان في القرآن، وقد يرى البعض ثمة تجانس بينهما ، أو أنهما شئ واحد ، فأبليس في ظنهم هو ذاته الشيطان ، غير أن المتأمل والمتدبر لآيات الذكر الحكيم في هذا الشأن يلمح فارقًا بين أبليس والشيطان ، وصدق الله العظيم إذ يقول في كتابه العزيز " أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا " .
ويقول تعالى " أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا " .
إبليس والشيطان لُغةً
إبليس لُغةً وكما ذهب البعض من العلماء أسمٌ عربي مُشتقٌ من الإبلاس أي الإبعاد عن الخير ، أو اليأس من رحمة الله { أنظر: ((لسان العرب)) (6/29)، (تفسير الطبري) (1/509)، و(تفسير روح المعاني) ، (1/229) . } .
بينما ذهبت الأغلبية من العلماء إلى أن إبليس أسم أعجمي وقد روى الطبري عن ابن عباس أن أبليس كان اسمه مع الملائكة عزازيل ( تفسير الطبري ) (1/224) .
أما الشيطان لُغةً أي البعد ، ومشتق من الفعل شطن أي بَعُد بطبعه أو بفسقه عن الخير ، وفي هذا المعنى يقول محمد ابو إسحاق ( إنما سُمّي شيطانًا لأنه شطن عن أمر ربه ، والشطون أي البعيد النازح . (الزينة في الكلمات الإسلامية العربية)) (2/179 ) .
وقال أبو عبيد ( الشيطان هو كلُ عاتٍ متمردٍ من إنسٍ أو جِنّ ) .
من هو إبليس
ورد ذكر إبليس أحد عشر مرة في القرآن الكريم ، وقد جاء لفظ إبليس بصيغة الإفراد أي مفردًا ولم يرد مطلقًا بالقرآن بصيغة الجمع بينما ورد لفظ الشيطان في القرآن الكريم مفردًا وجمعًا .
يقول الله تعالى " وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ۚ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا " . { الكهف ، الآية ٥٠ }
فإبليس خلقه الله من النار شأنه شأن الجن الذي ينتمي إليه ، ولما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام ، وكان إبليس ممن شملهم الأمر بالسجود حال كونه يتعبد لله معهم ، أبى أن يسجد لآدم كِبرًا وحقدًا على آدم بزعمه أنه مخلوق من النار فهو خير من آدم الذي خُلق من الطين ، وفي هذا المعنى قال الله تعالى " قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ " . { الأعراف ، الآية ١٢ } .
فلما كفر إبليس بمخالفة أمر الله ، حلت عليه لعنة الله وطُرد من رحمته وأنس حضرته .
والمتأمل لمواطن ذكر لفظ إبليس بالقرآن الكريم يجد أنه يأتي دائما مع ذكر خطيئته الكبرى بالعزوف عن السجود لآدم ، فإبليس هو ذلك الجن المخلوق من النار الذي أبى السجود والامتثال لأمر الله فكان من الكافرين .
ومن هذه الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى " وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ " . {الأعراف ، الآية ١١} .
وقوله تعالى " قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ " { ص الآية ٧٥} .
وقوله تعالى " وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ " . { البقرة ، الآية ٣٤ } .
فحيث يرد ذكر لفظ إبليس يرد ذكر خطيئته برفض السجود ، حيث أذنب أبليس في حق نفسه واقتصر عليه وحده ، فلم يتجاوز أو يتعدى ذنبه إلى ما هو دونه ، اللهم إلا في موضعين اثنين :
أولهما في قوله تعالى " فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ ، وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ " { الشعراء الآيات ٩٤ ،٩٥ } .
وجاء لفظ إبليس في تلكم الآية باعتباره الرئيس الأعلى لأتباعه من شياطين الإنس والجن والذين يمثلون أدواته في الغواية والذين تعدى ذنبهم أنفسهم إلى غيرهم من بني آدم .
وأما ثانيهما جاء في قوله تعالى " وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ " { سبأ الآية ٢٠ } .
وجاء لفظ إبليس في هذه الآية أيضا دون لفظ الشيطان لأنها تناولت ملمحًا أو جزءًا من خطيئته الكبرى وهو ظنه ببنى آدم باتّباعه ، فكان أولى أن يأتي ذكر إبليس دون الشيطان ولو لم تأت الآية بذكر كامل خطيئته الكبرى صراحة .
وما يؤكد ذلك المعنى ما جاء في مواضع أخرى من القرآن الكريم تصف إبليس بالشيطان عندما تتعدى خطيئته من حيث الأثر والتبعة ذاته إلى بني آدم ، كما جاء في قصته مع آدم في قوله تعالى " فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ " { البقرة الآية ٣٦ } .
وكذلك في قوله تعالى " فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ " { الأعراف الآية ٢٠ } .
من هو الشيطان
وقد جاء ذكر الشيطان في القرآن الكريم تارة بصيغة الإفراد بلغت سبعين مرة ، وتارة أخرى بصيغة الجمع بلغت ثمانية عشر مرة ، وهذا بخلاف ما ورد به ذكره بلفظ الجِن والجِنة ويكون المراد به الشيطان مفردًا أو جمعًا .
والشيطان هو كل من دعا إلى الشر والفساد والغي سواءً كان من الإنس أو من الجنّ ، إذ لا يقتصر وصف الشيطان على الجنّ فقط ، بل يمتد إلى الإنسان كما جاء في قوله تعالى " وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ " { الانعام الآية ١١٢} ، وقوله تعالى " وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ " { البقرة الآية ١٤ }
ويقول رسول الله صلى الله عليه فيما روي عن أبي أمامة " يا أبا ذر تعوذ بالله من شر شياطين الجن والإنس، قال: يا نبي الله، وهل للإنس شياطين؟ قال: نعم: شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا " .
بل إن الشيطان قد يطلق على ما خبث وتمرد وتميز بالأذى وفي هذا المعنى أخبر زيد بن أسلم عن أبيه الذي قال " ركب عمر برذونًا - أي دابة - فجعل يتبختر به ، فضربه فلم يزدد إلا تبخترًا ، فنزل عنه وقال ما حملتموني إلا على شيطان ، لقد أنكرت نفسي " {الطبري}(1/111)، { تفسير ابن كثير } (1/31) وقال إسناده صحيح .
وعليه فإن الشيطان بمعناه الخاص هو إبليس وبنو جنسه من الجن يتناسلون ويتكاثرون ويأكلون ويشربون فمنهم الصالحون ومنهم دون ذلك يوسوس العاصي منهم لبني آدم بالمعاصي والذنوب ويغويهم بالكفر بالله { وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَٰلِكَ ۖ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا } سورة الجن الآية ١١ .
وهؤلاء جميعًا محاسبون يوم القيامة { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } الذاريات الآية ٥٦ .
وأما المعنى العام للشيطان فيشمل كل ما تمرد من مخلوقات الله من إنسٍ أو جنٍ أو دابّةٍ ، فأما تمرد الإنس والجِنّ فيكون ببذر الفساد والمعصية لله ، وأما الدواب فيتمثل تمردها بما اتصفت به من خبث وأذى تميزت به عن مثيلتها من بني جنسها .
جعلنا الله وإياكم ممن صدق فيهم قوله تعالى " إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ " .
وصلّ اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .