الإعجاز العلمى فى الآية
" وترى الجبال تحسبُها جامدة "
قال
الله تعالى " وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ
السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا
تَفْعَلُونَ " .
ما
إن تعلم أن أرضنا التى نحيا ونعيش على ظهرها تتحرك حول الشمس بسرعة تبلغ مائة
وثمانية ألف كيلو مترا فى الساعة ، وبسرعة تبلغ ألف وسبعمائة كيلو مترا فى الساعة
يتحرك سطحها عند خط الاستواء ، وأما سرعتها مع المجموعة الشمسية حول مركز المجرة
فتبلغ ثمانمائة ألف كيلو مترا فى الساعة ، أما مجرتنا فتجرى بسرعة تفوق الخيال
وتعجز عن إدراكها الأذهان ، إذ تبلغ أو تزيد عن مليونى كيلومتر فى الساعة ،
والأبلغ إعجازا وإدراكا أننا لا نشعر بكل هذه السرعات الفائقة بينما نحيا ونعيش
آمنين مطمئنين فوق سطحها وظهرها دون أن يختل هذا النظام البالغ الدقة دون أن نصطدم
بكل هذا العدد اللانهائى من النجوم والكواكب فى هذا الفضاء السحيق ، ما إن نعلم كل
هذا حتى لا نجدُ مفراً ولا ملجأ من الإقرار والتسليم بأن خالق هذا الكون ربٌ عظيمٌ
وإلهٌ جديرٌ ألا يعبد سواه .
ماهيةُ الجبال وأهميتها
تختلف
الجبال وإن كانت جزءا من مكونات الأرض عنها إختلافاً جذريا ، فقد رصد العلماء
امتدادا لها فى أعماق الأرض بعيداً جعلت من كثافتها أختلافا عما للأرض منها ، ووجدوا
أنها قد تناثرت فى أرجاء الأرض فى أماكن محددة وهو ما أشارت إليه الآية الكريمة
" وإلى الجبال كيف نُصِبت " موفرةً
ثبوت القشرة الأرضية دون اضطراب أو اهتزاز محققةً بجلاء الآية الكريمة فى قوله
تعالى " وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ
وَأَنْهَارًا " وكذلك فى قوله تعالى " وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ
أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ " .
الجبالُ أوتاد
فقد
وصف القرآن الجبالَ وصفاً ما أبلغه ، إذ وصفها الله تعالى بالأوتاد فى الآية
الكريمة " والجبال أوتادا " وقد تحقق هذا الوصف للعلماء على أثر دراسات
طويلة عن جذور الجبال فوجدوا أن أعلى الجبال فى الأرض - مثل جبال الهيمالايا -
والتى ترتفع لأكثر من ثمانية آلاف مترا من سطح البحر تمتد جذورها لمسافة تبلغ
سبعين كيلو مترا فى أعماق الأرض أى ما يقرب من ثلاثة أضعاف إرتفاعها فوق سطح الأرض
أى أن الجزء الأعظم من الجبال يكون غائصاً فى أعماق الأرض ، بينما يبدو منها فوق
السطح ما لا يجاوز قدر العشرة أو الخمسة عشر بالمائة وهو ما يطابق وصفها بالأوتاد
تماما فسبحان من جلت قدرته وعظمت آياته .
حركةُ الجبال
وكان أيضا من نتاج ما توصلت إليه دراسات العلماء أن رصدوا للجبال حركة خفية غير مدركة بالحواس ولكن تُدرك بالاجهزة الدقيقة وتختلف عن حركة الألواح المكونة للقشرة الأرضية ، فالجبال لها من الضغوط العظيمة تحت سطح الأرض ما قد يمتد حتى سبعين أو مائة كيلو مترا فوق طبقة تختلف عن طبقات القشرة الأرضية عبارة عن صخور ملتهبة ولزجة إذ يغدو الجبل كما لو كان لوحاً خشبياً يطفو فوق سطح الماء أو طبقةً من الجليد تطفو فوق سطح الماء ، ومن هنا يأتى وصف السفن بالأعلام أى بالجبال فى القرآن مذهلا ومُصدقاً لما ذكرناه آنفا كما فى قوله تعالى " وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأعْلامِ " .
وهذه
الحركة للجبال ليست قاصرة على ما علا منها سطح الأرض بل هى ممتدة لتلك الجبال فى
قاع المحيطات ، لذلك شملتها الآية الكريمة فذكرت الجبال على وجه العموم ، بل إن
العلماء رصدوا حركةً لجبال الجليد فى القارة الجليدية الجنوبية المتجمدة ووجدوها
تبلغ من عشر إلى ألف من الأمتار كل سنة .
تحسبُها جامدةً وهى تمرُ مرَ السحاب
إن وصف القرآن مرور الجبال فى حركتها كمرور السحاب لهو بحقٍ بليغٌ ودقيق ، ذلك أن حركة الجبال لا يمكن إدراكها حِسّياً ، فقد عمدت الآية إلى ضرب مثل حركة الجبال بحركة السحاب الذى يمكن للمرء أن يدركها بمجرد المراقبة برغم رؤيتها ساكنةً فيما يُعرف بنسبية الحركة لتقريب المعنى إلى الأذهان ، ناهيك عن أن كلاهما لا يتحركا حركة ذاتية وإنما حركتهما حركة تبعية لحركة الأرض .
غايةُ الآية والحكمة منها
إن من يتأمل الآية ويتفحصها يراها
تنبض بالدليل المُعجز والبرهان الذى لا يقبل الضد أن خالق الكون جل فى علاه يبين
لنا كيف أنه خلق الجبال نراها تبدو ساكنة جامدة بلا حراك ، بينما هى فى الحقيقة
متحركة تمر مر السحاب وهذه الحقيقة العلمية لم يتعرف عليها الإنسان إلا من قريب من
زماننا ، لينبه المولى عز وجل الإنسان إلى أن ليس كل ما لا يقع تحت قدرة الحواس أى
لا تدركه الحواس بعيدٌ أو مستحيلٌ عن حقيقة وجوده كمبرر للخروج عن الإيمان به ، ليقرب
لنا معنى الإيمان بالغيب الذى نبأنا به كصفة لازمة لإيمان المسلم الحق فيما جاءه
من رب العزة على لسان رسوله الكريم فى كتابه الكريم إذ يقول تعالى " الم ،
ذلك الكتاب لا ريب فيه ،هدى للمتقين ، الذين يؤمنون
بالغيب ، ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم
ينفقون " .
كما الآية تحمل فى عجزها هدفاً آخر وحكمة بالغة هى الإخبار بأن الله الذى خلق الجبال تمر وتتحرك بينما تبدو للناظرين ساكنة جامدة لجديرٌ بأن يكون خبيراً بما نعمل ومحيطاً بكل ما يجول بخاطرنا ظاهره وباطنه ، لذلك جاءت الآية الكريمة فى عَجُزِها تقرر " إنه خبير بما تعملون " . صدق الله العظيم
اللهم ارزقنا الإيمان والعمل به
والإخلاص فيه لوجهك الكريم .
وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد
وعلى آله وصحبه وسلم .
قد يعجبك أيضا :-
فلا أقسم بمواقع النجوم سرٌ وإعجاز قرآنى