حكم الكلام أثناء الطعام
ما ترك شرع الله سكنة أو حركة إلا ووفاها حقها من حكمٍ له فيها ينظمها ويفي بالحكمة من فرضها أو سنها .
قال الله تعالى "يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ " .
فقد أرسى الإسلام للطعام آدابًا أوصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم منها البدأ ببسم الله الرحمن الرحيم وأن يأكل المرء مما يليه ولا يعتدي على من يشاطره الطعام وألا يسرف ، فلا يأكل حتى يجوع وإذا أكل لا يشبع ، فحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه ، ونهى صلى الله عليه وسلم أن يأكل المرء واقفًا أو متكئًا ، وجاءت كل هذه الآداب وجُمعت في الحديث النبوي الشريف " ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لابد فاعلاً فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه " رواه الترمذي وحسنه.
فما زالت تلكم الآداب وما أرشدنا إليه القرآن والسنة النبوية المطهرة تتكشف عنها آيات إعجازها يومًا بعد يوم .
ومما ورد بشأن هذه الآداب ندبه ووصايته صلى الله عليه وسلم بالحديث أثناء الطعام بغية التأني وتجنب الإسراع في تناوله وشيوع السرور بين جلسائه الأمر الذي يُحفز الجسم على إفراز العصارات الهاضمة وبالتالي انعكاسه بالفائدة الصحية على جسم الإنسان وفي هذا المعنى قال صلى الله عليه وسلم " تحدثوا على الطعام ولو في شأن السلاح " .
ومما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما ذكره مسلم في صحيحه عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ سَأَلَ أَهْلَهُ الْأُدُمَ، فَقَالُوا: مَا عِنْدَنَا إِلَّا خَلٌّ، فَدَعَا بِهِ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ بِهِ وَيَقُولُ نِعْمَ الْأُدُمُ الْخَلُّ، نِعْمَ الْأُدُمُ الْخَلُّ .
وقد جاء على لسان الدكتور حسام موافي أحد أشهر أطباء الحالات الحرجة بقصر العيني أن الإنسان الذي يتسم بالعصبية أو التوتر المفرط في سلوكه يبتلع الهواء أثناء حديثه تمامًا كمن يتناول طعامه سريعًا وفي عجلة من أمره وهو ما ينعكس على صحته بالسلب إذ تمتلئ معدته سريعًا مما يؤدي إلى الانتفاخ والذي قد يترتب عليه من المخاطر ما لا يُحمد عقباه .
وهكذا تتجلى حكمة الله وعظمته في أوامره وما تحث عليه من جمّ الخير لعباده وكف الأذى والشر عنهم مصداقًا لقوله تعالى : "الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " .
فاللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه .
وصلِّ اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .