هل من الخطأ الدعاء بقول يا رب
لا ريب
أن للدعاء آدابًا وخُلقًا تلازماه ، وأسمى الدعاء وأزكاه ما كان مناجاةً لله جل
جلاله في عليائه ، ويرى البعض أن أقل ما ينبغي مراعاته في هذا الدعاء هو إسقاط أداة
النداء " يا " منه إقرارًا وعرفانًا واستشعارًا بقرب المنادى سبحانه وتعالى .
وقد
استشهدوا ببعض آيات القرآن فيما ورد على لسان بعض الأنبياء إذ يدعون الله بقول
" رب " دون أداة النداء " يا " كما في الآيات القرآنية
الكريمة الآتية :-
( ربِ
أرني أنظر إليك)
(ربنا
أفرغ علينا صبرا)
(ربِ
لا تذرني فردا)
(ربِ
إن ابني من أهلي)
(ربِ
اجعلني مقيم الصلاة و من ذريتي )
( ربِ
إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين)
( ربِ
هب لي من لدنك ذرية طيبه انك سميع الدعاء )
وفي
هذا السياق يرد دعاء رب الأرباب لعباده في القرآن غالبا بأداة النداء" يا
" بما تعنيه من بعد المنادى حال كون الرب يتصف بالعلو ومنزه عن مداناة العباد
فهو الغني عنهم .
وفي هذه المعاني أورد الشاطبي
في الموافقات ( ٤/٢٠٢ ) "
فَأَنْتَ تَرَى أَنَّ نِدَاءَ اللَّهِ لِلْعِبَادِ لَمْ يَأْتِ فِي الْقُرْآنِ فِي
الْغَالِبِ إِلَّا بِـ"يَا" الْمُشِيرَةِ إِلَى بُعْدِ الْمُنَادِي
لِأَنَّ صَاحِبَ النِّدَاءِ مُنَزَّهٌ عَنْ مُدَانَاةِ الْعِبَادِ ، مَوْصُوفٌ
بِالتَّعَالِي عَنْهُمْ وَالِاسْتِغْنَاءِ ، فَإِذَا قَرَّرَ نِدَاءَ الْعِبَادِ
لِلرَّبِّ أَتَى بِأُمُورٍ تَسْتَدْعِي قُرْبَ الْإِجَابَةِ : مِنْهَا: إِسْقَاطُ
حَرْفِ النِّدَاءِ الْمُشِيرِ إِلَى قُرْبِ الْمُنَادَى ، وَأَنَّهُ حَاضِرٌ مَعَ
الْمُنَادِيِ غَيْرُ غَافِلٍ عَنْهُ ؛ فَدَلَّ عَلَى اسْتِشْعَارِ الرَّاغِبِ
هَذَا الْمَعْنَى ؛ إِذْ لَمْ يَأْتِ فِي الْغَالِبِ إِلَّا "رَبَّنَا"
"رَبَّنَا" كَقَوْلِهِ: ( رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا ) [الْبَقَرَةِ:
286] , ( رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ) [البقرة: 127] . ( رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ
لَكَ مَا فِي بَطْنِي) [آل عمران: 35] . (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي
الْمَوْتَى) [الْبَقَرَةِ: 260] " انتهى.
بيد أن شمول الدعاء بأداة النداء ليس من قبيل الخطأ أو اقتراف
الذنب ، فغاية الأمر بلاغي وليس أمراً ملزماً يأثم تاركه ، وليس أدل على ذلك مما ورد
في حديث الشفاعة الذي أخرجه البخاري ( 4712 ) ( ثُمَّ يُقَالُ:
يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَرْفَعُ
رَأْسِي ، فَأَقُولُ : أُمَّتِي يَا رَبِّ ، أُمَّتِي يَا رَبِّ، أُمَّتِي يَا
رَبِّ ) ، وفي " صحيح مسلم " (920) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
: ( اللهُمَّ اغْفِرْ لِأَبِي سَلَمَةَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ،
وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ
الْعَالَمِينَ ، وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ ) .
وفي سنن أبي داود (1495): عَنْ
أَنَسٍ : " أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم جَالِسًا
وَرَجُلٌ يُصَلِّي ، ثُمَّ دَعَا: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ
الْحَمْدُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْمَنَّانُ ، بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ
، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ ، فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ
الْعَظِيمِ، الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى) .
وفي سنن الترمذي (3524) عن أنس بن
مالك، قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كربه أمر قال: ( يا حي يا
قيوم برحمتك أستغيث ) .
وفي مسند أحمد (17143) وغيره عَنْ
رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( أَلِظُّوا بِـ" يَا ذَا الْجَلَالِ
وَالْإِكْرَامِ" ) .
كما أخرج البخاري في صحيحه عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: ( يُدْعَى نُوحٌ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ
وَسَعْدَيْكَ يَا رَبِّ ) ، وفيه أيضا (4625) : ( أَلاَ وَإِنَّ أَوَّلَ
الخَلاَئِقِ يُكْسَى يَوْمَ القِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ ، أَلاَ وَإِنَّهُ يُجَاءُ
بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ ، فَأَقُولُ: يَا
رَبِّ أُصَيْحَابِي ) .
كما جاء بالقرآن الكريم مثل ذلك ولو
أنه ورد كشكوى لله أكثر منه طلب ورجاء لكنه في النهاية خطاب من الرسول لربه ينطوي على دعاء ومناجاه كما في
قوله تعالى " وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا
الْقُرْآنَ مَهْجُورًا "﴿٣٠ الفرقان﴾
وقوله تعالى " وَقِيلِهِ يَا
رَبِّ إِنَّ هَٰؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ " ﴿٨٨ الزخرف﴾ .
وعليه فليس ثمة مانع من الدعاء لله
سواء بقول يارب أو بقول رب .
هدانا الله وإياكم إلى سواء السبيل
.
وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد
وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .