لماذا ضرب الله بالذباب مثلا
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ
مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ
يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ۖ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ
شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ۚ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ " . صدق
الله العظيم
يتحدى القرآن في هذه الآية الناسَ جميعاً ، بضرب
مثلٍ لهم معلناً عجز الذين يتخذونهم من دون الله أربابا أو أندادا عن أن يخلقوا
ذباباً ولو اجتمعوا لهذا الأمر وكان بعضهم لبعض ظهيرا .
ولطالما سَخِر القرآنُ من آلهة
الكفار والمشركين فضرب لهم من الأمثال ما فضح ضعفها وهوانها كما في آية الذباب ،
فبلغ من صَغَارها وعجزها أن الذباب على ضعفه وحقارته وضآلة شأنه إن سلبهم شيئاً ،
ما استطاعوا استعادته أو استرداده ثانية ليتحقق ضعف الطالب والمطلوب .
ولما تنزلت هذه الآيات الكريمة وسمعت
بها اليهود سخروا منها ورددوا أن هذا ليس من كلام الله وقالوا أما وجد ربكم غير
الذباب ليضرب به مثلا ، فأنزل الله تعالى قوله " إِنَّ اللَّهَ لَا
يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ۚ فَأَمَّا
الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ۖ وَأَمَّا
الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۘ
يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا
الْفَاسِقِينَ " .
وإذ بلغ من سخرية القرآن بهؤلاء
الذين اتخذوا من دون الله أولياء ، أن شبههم بالعنكبوت التي اتخذت بيتا أثبت العلم
حديثاً هوانه وضعفه وتفككه حتى فيما يخص الشأن الإجتماعي لحياة هذه الحشرة وصدق
الله العظيم إذ يقول في محكم كتابه الكريم " مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ
أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ۖ وَإِنَّ أَوْهَنَ
الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ ۖ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ " .
الإعجاز في قوله " وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه "
فقد توصل العلم التشريحي حديثاً إلى أن
الذبابة بلا معدة ، لكن الله وهبها قدرة خاصة على إنتاج نوعٍ من الإفرازات مذهلة
تعمل على هضم وتحويل أي طعام تلتقطه مهما بلغ تعقيده إلى مواد مغايرة تماماً وبسيطة
، وعليه فلا يمكن معرفة أو تخمين ما التقطته الذبابة فضلا عن استحالة استعادته أو
كما ورد بالآيات استنقاذه منها ، ضعف الطالب والمطلوب.
وإن الآلية المعجزة التي تتم بها هذه
العملية الهضمية لتتفق تماماً مع ما ورد بالآيات بدقة لا ينكرها إلا من ختم الله
على قلبه فهم لا يعقلون ، حيث يعمد الذباب إلى إفراز إنزيماته على الطعام خارج
جسمه وقبل تناوله فتذيبه المادة الإنزيمية وتهضمه هضماً كاملاً ثم تشرع الذبابة في
امتصاصه من خلال إنبوب إلى داخل جسمها وفي دمها مباشرة ، فلا حاجة لها بمعدة داخل
جسمها ، وبات ما تناولته غيباً مُتغيراً إلى شيئٍ آخر لا علاقة له البتة بالذي
تناولته خارج جسمها ، فسبحان من خلق فقدر ثم هدى .
بيد أن الإعجاز في قوله تعالى "
وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه " ،لا يقف عند ما أثبته العلم
وأشرنا إليه سلفاً ، إذ للذباب على حقارة شأنه قدرة فائقة على إلحاق الأذى والضرر
البليغ لصحة الإنسان وإصابته بالعديد من الأمراض الفتاكة مثل حمى التيفوئيد
والكوليرا والدوسنتاريا وغيرها وهو بهذا يسلب الإنسان أغلى ما يملك ألا وهي الصحة
والعافية .
ما هو الطالب والمطلوب
وفي تبيان المقصود بالطالب والمطلوب
في الآيات ، فقد ورد في التفاسير أن أهل الجاهلية كانوا يقومون بطلاء أصنامهم بالزعفران
، ثم ما يلبث أن يأتي الذباب فيسلبهم أياه ويتغذى عليه فيفتضح أمر هذه الآلهة الأصنام وعجزها عن
استرداد ما سلبه منها الذباب ، وهذا معنى الطالب أي الآلهة العاجزة ، والمطلوب أي الذباب
، كلاهما ضعيف .
فاللهم ربنا اغفر لنا ذنوبنا وكفّر
عنا سيئاتنا وثبت أقدامنا وانصرنا وأنت خير الناصرين .
وصلّ اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
أقرأ أيضا :-