"غُلبت الروم فى أدنى الأرض " آيةٌ وإعجازٌ زمنى ومكانى
recent
أخبار ساخنة

"غُلبت الروم فى أدنى الأرض " آيةٌ وإعجازٌ زمنى ومكانى


 


"غُلبت الروم فى أدنى الأرض "
آيةٌ وإعجازٌ زمنى ومكانى

 

يقول الله تعالى وهو أحكم الحاكمين فى كتابه العزيز "الم ، غُلِبَتِ الرُّوم، فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُون ، فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُون ، بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيم ، وَعْدَ اللَّهِ لاَ يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُون".

 

تنزلت هذه الآيات عقب هزيمة الروم على يد عدوهم آنذاك وهم الفرس ، وقد سُر المشركون من كفار مكة بهزيمة الروم بحسبهم أهل كتاب سيما أنها نالتهم من أهل كُفرٍ وشرك ، فكانت لهم بمثابة النصر لعقيدتهم وأدعى للاحتجاج به فى مواجهة الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين ، إذ قالوا لطالما ردد المسلمون قولهم وإيمانهم بالنصر اليقين علينا بحسبهم أهل كتاب ، وها نحن نرى بأعيننا غلبة الفرس على الروم أهل الكتاب .  

 

وقد وردت هذه الآيات فى مطلع سورة الروم وهى سورة مكية ، ومن المعلوم أن السور المكية فى القرآن تدور جميعها فى فلك العقيدة وما يكتنفها من قضايا الإيمان والوحدانية ويأتى على رأسها قضية الإيمان بالبعث والحساب والمآل إلى جنة أو نار .

 

وقت تحقق الآيات وإعجازه

 

تُخبرنا الآيات بهزيمة الروم الماحقة والتى وقعت فى سنة ستمائة وتسعة عشر ميلادية ، ولنا أن نتصور مدى ما يمكن أن يلحق من ضرر ببلد تدكه قوة غاشمة كقوة الفرس فى ذاك الزمان ، فلا يتسنى منطقاً أو عقلا قبول أن تقوم للروم قائمة بعد هذه الهزيمة النكراء قبل مضى عددٍ من السنين ليس بقليل ، أو ربما عقود مديدة كى تكون جديرة وقادرة على مواجهة قوة كقوة الفرس ناهيكم عن الشك والريب اللذان يصمان مكنة تحقيق النصر عليها .

 

بيد أن الآيات تعود  فتقرع آذان قارئها بنبؤة ولا أعجب منها ، إذ تقرر فى تحدٍ غير مزعزع أو مريب ، أن الروم بعد غَلَبهم سيغلبون ، والأعجب بل والأشد غرابةً تقرر أن هذه الغلبة ستتحقق فى بضع سنين أى فى غضون زمن يتراوح بين الثلاث والتسع سنين كما هو معلوم لغةً عند العرب ، ثم تمر السنون ويتحقق الوعد الحق كفلق الصبح ، لأن قائله هو الحق ، فقد انتصر الروم فى عام ستمائة وسبعة وعشرين ميلادية ، وقد واكب هذا النصر انتصار المسلمين على كفار قريش فى غزوة بدرالعظيمة ، وتحقق وعد الله فى الآيات بفرح المؤمنين فرحا ثنائياً ما أعجبه ، فرح المؤمنين بنصر الروم أهل الكتاب على الفرس أهل الشرك ، وفرح المؤمنين الصائمين بنصر الله فى أعظم أشهر الله ، شهر رمضان فى العام الثانى من الهجرة النبوية ، ولعل وجهاً من الشبه بين النصرين قريب ، فكلاهما كان أشبهُ بالمستحيل فى نظر الكفار والمشركين ممن لا يؤمنون بأن النصر بيد الله ، وأنه لا غالب لمن نصره الله ، ولا نصر لمن يخذله الله ويخزيه .

 

ويأتى السؤال ليطرح نفسه متحدياً ومردداً منْ يملك مقرراً نصرَ أمةٍ كُسرت بهزيمة شنيعة مُنهية بقيامها واستعادة قوتها ونهضتها لتواجه قوة قاهرة جبارة فى بضع سنين إلا أن يكون الله هو القائل والقاض ، فمن يملك بعده ، والله يحكم لا معقب لحكمه ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون .

 

إن هذه الآيات لتنطوى على إعجازٍ فحواه أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر الكفار والمسلمين والناس أجمعين فى مشارق الأرض ومغاربها خاصّةً الفرس والروم بطلا الواقعة وكانا فى ذى الزمان بمثابة قوتين عظميين فى الأرض ، أخبر بمآل الحال ونتاج حربٍ تقع فى غضون بضع أى قليل من السنين بين أمة يصعب وربما من المستحيل عسكرياً وقتها أن تنتصر على أمة هى أقوى الأمم ، تماما كنصر المسلمين وهم الأقل عدداً وعتاداً فى بدرعلى المشركين .

 

إنه الإيمان المطلق بالله ووعده وقضائه وقدره ، ما جعل المؤمن يؤمن بأن الوعدَ ماضٍ لا محالة ، وأن عقيدة المؤمن لا سبيل للنيل منها أو زعزعتها ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لو لم يكن صادقاً ومصدوقاً وموحى إليه من عند الله لما علق أمر الدين كله والعقيدة برمتها على أمر غيبى كحرب فيها كر وفر ، لا يعلم مداها ومآلها إلا الله ، أليس هذا بحق أمر وإخبار معجز ، وما يذكر إلا أولو الألباب .

 

مكان تحقق الآيات وإعجازه

 

غير أن إعجاز تلكم الآيات لم يقف عند حد زمن ووقت وقوع أحداثها ، بل تخطى وامتد إلى حد مكانها ، فمن المعلوم تاريخياً أن أحداث هذه المعركة كانت فى محيط البحر الميت فيما يسمى بأغوار البحر الميت ، وقد أورد القرآن ذكرها بوصفها أدنى الأرض أى أخفضها أو أقربها ، وهذ القطعة من الأرض هى بالفعل كانت أقربها من أرض العرب وقتها وفى ذات الوقت كانت أخفضها عن سطح الأرض حيث يبلغ انخفاضها عن سطح البحر ما يقرب من ألف وثلاثمائة واثنى عشر قدما ، أى ما يعادل أربعمائة مترا وهى بالفعل أخفض نقطة على وجه الأرض كما سجلتها الأقمار الصناعية وورد ذكرها فى الموسوعة البريطانية ، وهذا أمرٌ لا يملكُ كل ذى لُبٍ وعقلٍ إلا أن يُقر مؤمناً وموقناً بأن الله هو منزل هذ القرآن على نبيه المختار صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين .   

 

  

 

 


google-playkhamsatmostaqltradent