آياتُ الماءِ فى القرآن
أسرارٌ وبرهان
ما إن يُذكرُ الماءُ حتى يُذكرُ قوله تعالى " وجعلنا من الماءِ كلَ شئٍ
حىّ " فيدرك كل ذى لُبٍ ما للماء من قدرٍ وعلو شأنٍ ، ويزداد الإيمان بلوغًا لذروةِ سنامه إذا ما قرأت قوله تعالى " وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة
أيام وكان عرشه على الماء " .
ما هو الماء
الماءُ النقى سائلٌ شفاف لا لون له ولا رائحة سواء كان عذبا أو مالحا ، بيد أن الماء العذب لا طعم له بينما يتميز الماء المالح بطعمه المالح نتيجة الأملاح المذابة به ، ويتكون جزئ الماء من ذرتى هيدروجين وذرة أكسجين واحدة مرتبطتين إرتباطاً يجعله ذا قطبين كهربائيين يحمل أحدهما شحنتين موجبتين ، ويحمل الآخر شحنة سالبة مكافئة ، وهو ما جعل من الماء مُذيبا قوياً ، وجعل منه ضرورة لا غنى عنها لكل كائنٍ حىّ إذا ما علمنا أنه يغلب على تركيبته الماء والذى تتراوح نسبته فى أجسادنا بين أحدى وسبعين بالمائة فى الإنسان البالغ ، وثلاثة وتسعين بالمائة فى الجنين .
والماء مركب كيميائى فريد يتواجد فى الأرض بحالات مختلفة هى السائلة
والصلبة والغازية ، وهو المادة الوحيدة التى يمكن تواجدها فى حالاتها الثلاثة معاً
وفى آنٍ واحد ، والماء يغطى أكثر من سبعين بالمائة من مساحة سطح الأرض أو يزيدُ
قليلا .
وليس أعجبُ من الماء سلوكاً فى كثافته ، فهو ليس كسائر السوائل تزداد
كثافتها كلما زادت برودتها ، إذ يسلك الماء سلوكاً عجيباً وفريداً عند درجة أربعة
مئوية حيث يتمدد ولا ينكمش ، فإذا تجمّد عند درجة الصفر تنخفض كثافته بمقدارعشرة
بالمائة عن كثافته عند درجة أربعة مئوية ، وبالتالى يزداد حجمه ولهذه الخاصية
الفريدة للماء يعزى عدم هبوط الثلج المتجمد فى قاع البحر وبقائه متراكماً فوق سطحه
ويبقى الماء أسفله سائلا وتبقى الحياة به مستمرة دون ما أذىً يلحق بكائناته .
الماءُ والحياة
وللماءِ أهميةٌ قصوى لكل ماهو كائنٌ حىّ بما فى ذلك الإنسان ، إذ يمثل ما
يتراوح من خمسين بالمائة إلى تسعين بالمائة من وزنه ، وهو يلعب دوراً غايةً فى
الأهمية لإتمام عملياته الحيوية ، ويتضح ذلك إذا ما علمنا أن نسبة الماء بدم
الإنسان تبلغ تسعين بالمائة ، وأن بلازما الدم التى تمثل خمسة وخمسين بالمائة منه
تبلغ نسبة ما تحويه من ماء تسعين بالمائة ، ولذلك لا يطيق الإنسان العيش دون الماء
لأكثر من أسبوع .
وصفُ الماء الإعجازى فى القرآن
للماء فى القرآن شأن عظيم ، ودلالة ذلك ورود ذكره به ثلاثاً وستين مرة ،
ووصف القرآن له بوصف " مباركا " كما ورد بالآية الكريمة " ونزلنا
من السماء ماءً مباركا " .
وقد جاء ذكر الماء فى القرآن فى صورٍ شتى ، فمنها الغيث وهو ما يُنزله الله
بعد جفافٍ يصيب الأرض فيكون بمثابة الغوث والنجدة للناس والأنعام كما ورد بالآية
الكريمة " وهو الذى ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته " .
وورد ذكر الماء فى القرآن بوصف الوابل وهو المطر الشديد عظيم القطر كما فى
الآية الكريمة " ومثل الذين ينفقون أموالهم إبتغاء مرضات الله وتثبيتاً من
أنفسهم كمثل جنةٍ بربوةٍ أصابها وابلٌ فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابلٌ فطل
" .
وجاء ذكر الماء فى القرآن بمعنى النطفة كما فى قوله تعالى " وهو الذي
خلق من الماءِ بشراً فجعله نسباً وصهراً ، وكان ربك قديرا " .
وقد جاء بالقرآن الكريم تشبيهٌ للحياةِ الدنيا بالماء فى سرعة ذهابه وعدم
استقراره وهو فى هذا كالدنيا قصيرةُ العمر والتى لا تستقر على حال ولا تلبث أن
تزول ويزول رونقها ونعيمها كما فى قوله تعالى " واضرب لهم مثل الحياة الدنيا
كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الارض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله
على كل شئ مقتدرا ".
الماءُ فى القرآن
آياتٌ وإعجاز
· قال الحق تبارك وتعالى فى محكم التنزيل " وجعلنا من الماء كل شئ حى " .
لو لم يأت القرآن إلا بها لكفته حجةً وبرهاناً على إنسها وجنها ، آيةٌ لا
تحتمل فرضاً أو عقلاً إلا الإقرارُ والتسليم بأنها من قول الخالق البارئ ، وإلا
فمن يملك إطلاق تلك الحقيقة الثابتة والراسخة منذ بدأ الخليقة إلا ربٌ عليمٌ حكيمٌ
خبير .
·
قوله تعالى " وَالْأَرْضَ
بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ، أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا "
حقيقةٌ علميةٌ ثبتت صحتها حديثًا بعد ما ظل
الاعتقاد بأن الماء أتى الأرض من خارجها أمدا طويلا فقد عرف الإنسان أن مصدر ماء
الأرض أتى من باطنها عندما خرج لأول مرة من المنبعثات البركانية من الأرض إبان
تكوينها ثم عاد إليها بعد برود سطحها أمطارا .
·
قوله تعالى " ولو أنما في
الأرضِ من شجرةٍ أقلامٌ والبحرُ يمده من بعده سبعة أبحرٍ ما نفدت كلمات الله ، إن
الله عزيزٌ حكيم " .
·
وقوله تعالى " قل لو كان
البحرُ مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا
" .
وفى هاتين الآيتين وبين ثناياها إعجازٌ عظيم ، إذ أنهما يقرران حقيقة علمية
لم يعرفها الإنسان إلا من قريب ألا وهى أن الماء على كوكبنا الأرض بصوره العديدة
سواء كانت مطراً أو أنهاراً أو ينابيع فى جوفها أو غير ذلك ، إنما هو كمٌ ثابتٌ لا
يزيد ذرة ولا ينقصها ، وهو ما اقتضى أن يرد ذكر شجرة الأقلام مجرداً من فرضية
الإمداد بمثلها حال كون الأشجار فى الأرض كمٌّ غير محدود وقابل للزيادة باستمرارية
لا نهائية على النقيض من المداد وهو ماء البحر والقابل للنقصان مع الاستخدام لأنه
كم ثابت .
فأىُ إعجازٍ وأىُ بيانٍ لا يُنبئ به إلا العليمُ الحكيمُ ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
الماءُ نعمةٌ ونقمة
لَكم ذكر القرآن نعمة الماء وعدّد ألوانها وعظيم مردودها على خلقه من البشر
والأنعام وسائر مخلوقاته فقال جل فى علاه :-
" وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ " .
وقال تعالى " وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّىٰ ".
وقال تعالى " أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ
مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً " .
وقال تعالى " وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ
وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا " .
ثم تأتى تمام نعمة الماء يوم القيامة حين يكافئ الله عباده الصالحين بشربةِ
ماءٍ من حوض النبى صلى الله عليه وسلم ، من يده الشريفة لا يظمأ بعدها مؤمن أبدا .
كما ذكر القرآن نقمة الماء حين يكون جنداً من جنود الله وسبباً للعذاب
والعقاب فى الدنيا ، فيمسكه فيُنزل بهم الجوع والعطش ، أو يكون سبباً فى هلاكهم
فيرسله الله كطوفان كما أهلك به قوم نوح من قبل ، وأخيرا ذكر القرآن ماءَ الحميم والذى
سيعذب به الكفار فى نار جهنم يوم القيامة أعاذنا الله وإياكم منها ومن خزى يومئذ .
اللهم ارزقنا حسن شكر نعمتك .
وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .