مخلوقٌ اسمه الموت
يقينٌ أشبه بالشك
وصفه الله فى كتابه العزيز "باليقين" فقال عز وجل " واعبد
ربك حتى يأتيك اليقين " .
شأنه شأن الحياة ؛ خلقه الله إذ يقول جل فى علاه " الذى خلق الموت
والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ؛ وهو العزيز الغفور "
وقال صلى الله عليه وسلم " لو أن ابن آدم هرب من رزقه كما يهرب من
الموت ؛ لأدركه رزقه كما يدركه الموت "
فما من يقين عند الناس أشبه بالشك
من الموت
وليس أعجبُ من أن يرى الناس كل لحظةٍ الموت ؛ حتى لكأنه كائن حى يسعى بين
أيديهم ومن خلفهم ؛ يرونه فى أقربائهم وأهليهم رأى العين ؛ ليلا ونهارا ؛ وفى كل
وقت وحين ؛ ثم إنهم لفى شكٍ معرضون كأنه وهم وليس بحق .
ما هو الموت
الموتُ لغةً ذهابُ القوة من الشئ ؛ وهو خلاف الحياة ؛ والموت ما لا روح فيه
.
والموت علميا أو طبيا هو توقف الجسد عن العمليات الحيوية والوظيفية كالطعام
والشراب والتنفس .
والموت شرعا مفارقة الروح للجسد ؛ أو ما يسمى بقبض الروح بواسطة أحد
الملائكة وهو ملك الموت ؛ قال تعالى " قل يتوفاكم ملك الموت الذى وكل بكم "
ويعاونه لفيف من الملائكة ينزعون الروح نزعا من الظالمين لأنفسهم إذ يقول الله
تعالى " ولو ترى إذ الظالمون فى غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا
أنفسكم " بينما تتوفى الأنفس الطيبة بالبشرى من الملائكة والسلام وجنة المأوى
كما يقول تعالى " إن الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم أدخلوا
الجنة بما كنتم تعملون ".
والملائكة ليسو إلا رسلا لله فى هذه المهمة ؛ فالله هو الذى يحيى ويميت وهو
القائل " الله يتوفى الأنفس حين موتها " والتى لم تمت فى منامها ؛ فيمسك
التى قضى عليها الموت ؛ ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى ؛ إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون
" .
ومن عجيب الأمر أن يأتى ذكر لفظ الموت فى القرآن الكريم وما اشتق منه مكررا مائة وخمسة وأربعين مرة وهو
ذات عدد مرات ذكر لفظ الحياه وما اشتق منها ؛ وهو أمرٌ يصعبُ مروره على كل ذى لب دون تدبر أو إيمان بأنه ما كان ليرد مصادفةً ؛
إلا من أصم الله سمعه وأعمى قلبه .
والموتُ هو أول منازل الآخرة ؛ وبه ينتقل الإنسان من عالم إلى عالم آخر ؛ من
عالم الدنيا إلى عالم البرزخ حيث الممر والمعبر إلى دار الآخرة والحساب ؛ فإما جنة
أو نار .
الموت فى القرآن والسنة
وما أكثرها من آيات أوردها القرآن العظيم فى ذكر الموت وحقيقته وكنهه ووصفه
وكل ما يكتنفه من معان وحكمة ؛ تقتضى ألا يهملها أو يطرحها جانبا كل مسلم عاقل
يرجو لقاء ربه ويعمل لهذا اللقاء بكل همة وعزيمة فلمثل هذا يعمل العاملون وفى مثل
هذا فليتنافس المتنافسون .
ففى سورة البقرة يقول تعالى " كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم
؛ ثم يميتكم ؛ ثم يحييكم ثم إليه ترجعون " لتبين الآية الكريمة وترتيبا حقيقة
أننا كنا أمواتنا أى كان الموت فى الغيب فأحيانا الله سبحانه وتعالى منعما علينا بنعمة
الحياة ثم يميتنا فى الارض والتى تكون لنا قبورا رحمة منه وسترا لعباده ثم يحيينا
الله ويبعثنا يوم القيامة لتوفى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون . والآية أوردت
ميتتان وحياتان مصداقا لقوله تعالى فى سورة غافر " قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا
اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل " وكأن الآيتان يخبران بأن
الله القادر على كل شئ والذى خلقنا وأحيانا اثنتين وأماتنا اثنتين لقادر على أن
يعيد من أجرم وأذنب وكفر وكما تمنى الكفار وهم يصطرخون فى النار مسأنسين بهاتين
الآيتين ومعترفين بذنوبهم أن يخرجهم الله
من النار ويعيدهم إلى الدنيا لعلهم يعملون الصالحات .
وفى سورة آل عمران قال الله تعالى " كل نفس ذائقة الموت "
لتخبرنا الآية بأن للموت مذاق وكأنه كأس يتجرعه الإنسان ويستشعر ويتذوق سكراته
وهذا عين ما ورد فى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما حضرته الوفاة إذ يقول " إن للموت لسكرات " وقد طلب
النبى صلى الله عليه وسلم من ملك الموت أن يرفق به فأتاه ملك من السماء فقال له
" يا محمد إن السلام يقرئك السلام ويقول لك إنه خفف عنك بضعاً وعشرين سكرة
وكل سكرة كتقطيع السيوف فقال صلى الله عليه وسلم وهو فى غمرات الموت "اللهم
شدد علىِّ سكرات الموت وخفف عن أمتى ؛ وقالها ثلاثا . "
ولأن النفس جَبُلت على الخوف من الموت فهو مفطور فى طبيعة البشر ؛ فمثل هذا
الخوف لا يُؤاخذ عليه الإنسان ولا يأثم به ؛ أما الخوف بمعناه المذموم والذى يكون
فيه الإنسان آثمٌ قلبه هو ما يورثه الحرص على الدنيا ومتعها الزائفة وشهواتها
الفانية وما يجعله غافلا عن آخرته وما ينتظره من حساب وعاقبة ؛ مصداقا لقوله صلى
الله عليه وسلم " من أحب لقاء الله أحب الله لقائه ومن كره لقاء الله كره
الله لقائه .
والعاقل الفطن من أعد واستعد للقاء ربه واستزاد من خير زادٍ واجتهد ما وسعه
الاجتهاد لنيل مرضات ربه وخيرَ جزاءٍ فى جنة الخلد مع النبيين والصديقين والشهداء
والصالحين وحسن أولئك رفيقا ؛ مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم حين مرت به جنازة
فقال " مستريحٌ ومُستراح منه ؛ قالوا يا رسول الله ما المستريح وما المستراح
منه ؟ قال العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله ؛ والعبد
الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب .
جعلنا الله وإياكم ممن يستمعون
القول فيتبعون أحسنه
وصلى الله على سيدنا وحبيبنا وخليلنا وشفيعنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
تسليما كثيرا