صلة الأرحام الكنز المفقود
recent
أخبار ساخنة

صلة الأرحام الكنز المفقود


صلةُ الأرحام
الكنزُ المفقود 

حسبها شرفا أن اشتق لها  الرحمن إسما من أسمائه ؛ إنها الرَحم التى ما أولتها شرعةٌ أو ديانةٌ من حظ التقدير والرفعة مثلما أولتها شرعة الإسلام ؛ فجعل الإسلام فى وصلها أسمى وأعظم مراتب القربى من الله ؛ ووصم قاطعوها بلعنة الله التى استوجبت صمّ آذانهم وعمى أبصارهم إذ يقول الله تعالى " فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا فى الأرض وتقطعوا أرحامكم ؛ أولئك الذين لعنهم الله فأصمّهم وأعمى أبصارهم " . 

ما هى الرَّحم وما هى صلة الرَّحم

الرَحمُ لغةً هو موضع ومكان واستقرار الجنين فى بطن الأم ؛ والمقصود بالرحم كذلك القرابة وأسبابها ؛ ولذلك يقال ذو رحم أى ذو قرابة .

أما صلةُ الرحم لغة فمصدرها " وصل " وجمعها " صلات " ويقصد بها ما قد يربط بين اثنين أو أكثر من روابط البر والعطاء والإحسان . 

 وعن صلة الرحم شرعاً فهى تعنى منْ تجمعهم القرابة ؛ سواء من جهة الأب أو من جهة الأم ؛ فالآباء والأمهات والأجداد والجدات أرحام ؛ والأولاد وأولادهم من ذكور وإناث وأولاد البنات كلهم أرحام وهكذا الأخوة والأخوات وأولادهم أرحام ؛ وكذلك الأعمام والعمات والأخوال والخالات وأولادهم أرحام ؛ جميعهم يدخلون فى قوله تعالى " وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض " . 

القرآن الكريم وصلة الرَّحم

ما من خلاف البتة على وجوب صلة الرحم والأمر بها على كل مسلم يرجو مرضات الله ويخشى حسابه ؛ فما أكثرها من أدلة وردت بالقرآن تأمر بها وتحض عليها ومنها : 

قوله تعالى " واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام " .

وقوله تعالى " والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون فى الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار " .

وقوله تعالى" وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ".

وقوله تعالى " إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ . الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ".

ويأتى البر بالوالدين فى قمة ما أمر الله به بشأن صلة الرحم فى قوله تعالى " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا " ثم يكون الأمر بصلة الرحم على وجه العموم ولكل من كان له حق فيها وفى لمحة بوجوبه على كل مسلم ومسلمة  فى قوله تعالى " وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ". 

السنة النبوية وصلة الرَّحم

وقد ورد بالسنة النبوية الشريفة من الأحاديث ما أفصح عن عظيم شأن صلة الرحم ؛ فعن أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "  الرَّحمُ معلَّقةٌ بالعرش تقولُ: مَن وصلني وصله اللهُ، ومَن قطعني قطعه اللهُ " .

وقال صلى الله عليه وسلم " قال الله: أنا الرَّحمن، وهي الرَّحِم، شققتُ لها اسمًا من اسمي، مَن وصلها وصلتُه، ومن قطعها بتتُّه " .

وقال صلى الله عليه وسلم " يا أيُّها النَّاس، أفشُوا السَّلام، وأطعِموا الطَّعام، وصِلوا الأرحامَ، وصَلُّوا باللَّيل والنَّاسُ نيام، تدخلوا الجنَّةَ بسَلام " .

وقال صلى الله عليه وسلم " من كان يؤمن بالله واليومِ الآخر فليُكرِم ضيفَه، ومن كان يؤمن بالله واليومِ الآخر فليصِل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليومِ الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت " .

عِظمُ أجر صلة الرَّحم وعقوبة قطعها

وهل من أجر أعظم من أن يصل الله من وصلها ؛ فيحظى الواصل بالقرب من الله  ؛ وياله من عقاب أن يقطع الله من قطعها فيبوء قاطعها باللعنة والطرد  من رحمة الله ؛ وحسبه قوله صلى الله عليه وسلم " ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه بالعقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم ". 

 ولو أنا تدبرنا ما أفضى به كتاب الله وأفصحت عنه سنة نبييه صلى الله عليه وسلم فى هذا الشأن لأدركنا كنزا مفقودا ومغفولا لدى كثير منا يغيب فى غيابات الإنغماس فى تداعيات الحياة الدنيا ودون استشعار لأهميته كسبيل يسير لمرضات الله وبلوغ أعالى المنازل فى جناته بصلة الرَّحم . 

ولنتأمل قوله صلى الله عليه وسلم فى هذا المعنى " إنَّ الصَّدقة على المسكين صدقةٌ، وعلى ذي الرَّحم اثنتان: صدَقةٌ وصِلةٌ ".

و قوله صلى الله عليه وسلم " إن أفضل الصدقة الصَّدقةُ على ذي الرحِمِ الكاشح " والكاشح ذو الرحم الذى يُضمر العداوة .

و قوله صلى الله عليه وسلم " ليس الواصِلُ بالمُكافِئ، ولكن الواصل الَّذي إذا قُطِعتْ رَحِمُه وصلَها " .

و قوله صلى الله عليه وسلم " من سره أن يُمد له في عمره، ويُوسع له في رزقه، ويدفع عنه ميتة السوء، فليتق الله وليصل رحمه " .

وعن أبى هريرة رضى الله عنه أن رجلا  قال " يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيؤون إليّ، وأحلم عليهم ويجهلون عليّ فقال صلى الله عليه وسلم إن كنت كما قلت فكأنما تُسِفهّم المَلّ ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك " .

الإعجازُ العلمى وصلةُ الرحم 

صلة الرحم وقايةٌ وشفاء 

فقد استقرت وانتهت العلوم الإجتماعية إلى أهمية العلاقات الإجتماعية - وأهمها يقينا صلة الأرحام - فى بناء إنسان سوى من الناحية الجسدية والنفسية والسلوكية على حد سواء ؛ وأن العزلة - نقيض الصلة والتقارب بين الناس وخاصة الأقرباء والأرحام - تورث أمراضا خطيرة جسديا ونفسيا ؛ وأن التقارب والصلات بين الناس والأقرباء فيما يعرف بصلة الأرحام يؤدى إلى التمتع بالصحة الجسمية والنفسية مما يوفر وقاية من كثير من الإمراض خاصة أمراض القلب ؛  وقد أشارت دراسة أمريكية إلى أن الرجل الذي لا يحظى بعلاقات وثيقة مع أصدقاء وأفراد أسرته أكثر عرضة لأمراض القلب . 

وفى هذا الشأن أيضا أشار العالم إريك لوكس مدرس الصحة العامة بجامعة هارفارد إلى أنه من الأفضل للصحة أن يكون للإنسان علاقة وثيقة بأسرته وعائلته وأن يكون له صلات بهيئات إجتماعية ودينية ؛ أن يكون له شريك فى الحياة . 

وقد أكدت دراسة أجرتها مؤسسة القلب البريطانية وكذا دراسة أمريكية أن الإنعزالى أكثر عرضة للإكتئاب وأكثر ميلا للتدخين وأقل نشاطا مما يجعله أكثر عرضة لأمراض القلب كعدم انتظام ضربات القلب ؛ والعرضة دائما للموت المفاجئ . 

فسبحان الله العظيم ؛ ما أمرنا إلا بكل خير وما نهانا إلا عن كل سوء ؛ وما فرط الإنسان فى ذرة من تعاليمه إلا وذاق وبال أمره ؛ وكان عاقبته السوء والخسران المبين . 

اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه .

وصلِّ اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

 










 





 





 

 

 

 


google-playkhamsatmostaqltradent