وما أدراك ما ليلةُ القدر
هي ليلةٌ ذات قدر ، نزل فيها قرآنٌ ذو قدر ، على نبي ذي قدر ، في شهر ذي قدر .
وحسبها من الشرف أن نزل بذكرها قرآنٌ يُتلى إلى يوم القيامة فقال سبحانه وتعالى فيه " إنا أنزلناه في ليلة القدر ، وما أدراك ما ليلة القدر ، ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر، تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر، سلامٌ هي حتى مطلع الفجر " .
كما شَرُفت بنزول القرآن فيها كما جاء في قوله تعالى " إنا أنزلناه في ليلة مباركة، إنا كنا منذرين " .
وشرّفَ الله تعالى شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن في تلكم الليلة العظيمة الشأن ليلة القدر فقال سبحانه وتعالى " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان " .
وزاد الله هذه الليلة شرفًا وتيهًا إذ أنزل فيها كلامه تعالى على أشرف مخلوقاته وسيد ولد آدم ، وخاتم النبيين والمرسلين محمد صلوات الله وسلامه عليه .
تحري ليلةِ القدر
فقد اتفق جمهور العلماء على ما لهذه الليلة من فضل عظيم ، وأنها تأتي في العشر الأواخر من ليالي شهر رمضان المبارك ، وأما عن أي الليالي تكون فمختلفٌ فيه ، لكنهم غلّبوا ورجّحوا أن تكون في الليالي الوترية ، ولعل أرجاها وأقربها حدوثًا ووقوعًا ليلة السابع والعشرين .
{ سمعت ابنَ عمرَ يُحدِّثُ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ في ليلةِ القدْرِ قال من كان مُتحَرِّيها فليتَحرَّها في ليلةِ سبعٍ وعشرينَ
الراوي عبدالله بن دينار ، المحدث أحمد شاكر المصدر تخريج المسند لشاكر الجزء أو الصفحة 9/183 ، حكم المحدث إسناده صحيح } .
قالَ أُبَيٌّ في لَيْلَةِ القَدْر ِ( وَاللَّهِ إنِّي لأَعْلَمُهَا، وَأَكْثَرُ عِلْمِي هي اللَّيْلَةُ الَّتي أَمَرَنَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بقِيَامِهَا هي لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ ) . وَإنَّما شَكَّ شُعْبَةُ في هذا الحَرْفِ: هي اللَّيْلَةُ الَّتي أَمَرَنَا بهَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ، قالَ وَحدَّثَني بهَا صَاحِبٌ لي عنْه.
الراوي أبي بن كعب
المحدث مسلم المصدر صحيح مسلم
الجزء أو الصفحة762
حكم المحدث { صحيح }
فضلُ ليلةِ القدر
وكثيرةٌ هي الأحاديث النبوية الشريفة التي أوردت فضل ليلة القدر وسماتها وشمائلها ، حاثّة جموع المسلمين على تحريها والتماسها في العشر الأواخر من شهر رمضان ، والحرص على قيامها وإدراك عظيم ثوابها كما ورد في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه " من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه " .
وفي المقابل حذر النبي صلى الله عليه وسلم من التغافل عن هذه الليلة العظيمة الشأن ، وعدم إدراك ثوابها ، وفواتها دون إحيائها والفوز بأجرها ، إذ يقول صلوات الله وسلامه عليه لإصحابه وقد أظلهم شهر رمضان " إن هذا الشهر قد حضركم ، وفيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر، من حُرِمَها فقد حُرِم الخيرَ كله، ولا يُحرم خيرها إلا محروم".
الحكمةُ من إخفائها
روى البخاري عن عبادة بن الصامت قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين ( أي تنازعا وتخاصما ) فقال " خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان ، فرفعت ( أي من قلبي فنسيت تعيينها ) وعسى أن يكون خيرًا لكم " .
ولعل في قوله صلى الله عليه وسلم في آخر حديثه " وعسى أن يكون خيرًا لكم " ما يُنبأُ عن حكمة إخفاء ليلة القدر وتحديدها حصرًا في ليلة بعينها حضًا وتحريضًا على الاجتهاد والتفاني في التعبد والتقرب إلى الله تعالى طلبًا لها ولثوابها في ليالٍ عديدة ، ومثلها في ذلك كمثل إخفاء ساعة الإجابة في يوم الجمعة كي يجتهد المؤمن في طلبها على مدار يوم الجمعة بإكمله وفي ذلك الخير كله والثواب الأعظم .
وما أخفى الله عن عباده إسمه الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب إلا لذات الحكمة ، وهي ألا يقتصر دعاء العبد لربه على إسم واحد ، بل له في ذلك أن يدعو بكل أسماء الله الحسنى كما أمرنا سبحانه وتعالى في كتابه العزيز فقال " ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها " .
خيرُ الدعاءِ في ليلةِ القدر
ليس أفضل ولا أكمل ولا أجمل من قوله صلوات الله وسلامه عليه لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حين سألته عما تقول إن وافقت ليلة القدر فقال لها " قولي اللهم إنك عفوٌ تحب العفو فاعف عني " .
فليلة القدر خص الله بها عباده المسلمين المؤمنين من أمة حبيبه المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم على سائر الأمم ممن سبق ، كأنما يعوضهم عن قصر أعمارهم والتي تدور حول الستين كما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس للمسلم المؤمن بعدها حجة إن أغفلها ولم يدرك عظيم ثوابها بعد قوله صلى الله عليه وسلم " قال لي جبريلُ رغِمَ أنفُ عبدٍ أدرك أبوَيه أو أحدَهما لم يُدخِلْه الجنةَ ، قلتُ آمين ثم قال رَغِمَ أنفُ عبدٍ دخل عليه رمضانُ لم يُغفَرْ له ، فقلتُ آمين ثم قال رَغِمَ أنفُ امريءٍ ذُكِرتُ عندَه فلم يُصَلِّ عليك ، فقلتُ آمين
الراوي أبو هريرة
المحدث الألباني
المصدر: صحيح الأدب المفرد الجزء أو الصفحة 502
حكم المحدث حسن صحيح .
فلا أقل من أن يحرص المسلم على صلاة الفجر والعشاء في جماعة طيلة هذه الأيام المباركات علّه يُدرك ليلة القدر فيسعد بعدها سعادة لا يشقى بعدها أبدًا ، ففي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم " مَن صَلَّى العِشَاءَ في جَمَاعَةٍ فَكَأنَّما قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ ، وَمَن صَلَّى الصُّبْحَ في جَمَاعَةٍ فَكَأنَّما صلّى الليْلَ كُلَّهُ.
الراوي عثمان بن عفان
المحدث مسلم
المصدر صحيح مسلم
الجزء أو الصفحة 656
حكم المحدث { صحيح }.
هي خيرٌ من ألف شهر
ومخطئ أيما خطأٌ من ظنّ أن ليلة القدر تعدل أو تساوي في ثوابها ثواب العمل الصالح في ألف شهر أي ما يقرب من اثنين وثمانين عامًا ، ذلك أن الآية الكريمة تقرر صراحة أنها أي ليلة القدر خيرٌ أي أعظمُ أجرًا من ألف شهر ، ناهيكم عن مضاعفة الأجر والثواب في رمضان عما دونه من الشهور أضعافًا مضاعفة والله واسع عليم ، والله ذو الفضل العظيم .
علاماتُ ليلةِ القدر
فعن أُبيِّ بن كعب رضي الله عنه قال { هي ليلةُ صَبيحةِ سَبعٍ وعِشرين، وأمارتُها أنْ تطلُعَ الشَّمسُ في صَبيحةِ يومِها بيضاءَ لا شُعاعَ لها } رواه مسلم ( 762 ) .
وعن أبي هريرة رضي اللهُ عنهُ قال تَذاكَرْنا ليلةَ القَدْرِ عند رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّمَ فقال { أيُّكم يَذكُرُ حين طلَع القمرُ وهو مِثلُ شِقِّ جَفْنَةٍ} رواه مسلم ( 1170 ) . وشِقِّ جَفْنَةٍ أيْ نِصف قَصعةٍ .
وعن عبدالله بن أُنيس رضي الله عنه أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال {أُريتُ ليلة القدر، ثم أُنسيتُها ، وأَراني صُبحَها أسجد في ماء وطين} قال فمُطرنا ليلة ثلاث وعِشرين ، فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فانصرف ، وإن أثر الماء والطين على جبهته وأنفِه . قال وكان عبدالله بن أُنيس يقول ثلاث وعِشرين. رواه مسلم (1168) .
فتلك علامات وشواهد تحقق ليلة القدر ، وكما وردت في صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم ، ولم يرد قط بشأنها ما قد يتردد من علامات أخرى لم تثبت عنه صلوات الله وسلامه عليه كأن يُسمع أو لا يُسمع ليلتها نبح الكلاب .
فاللهم ربنا بلغنا ليلة القدر وثوابها واجعلنا من سعدائها .
وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .