الويل والويلة في القرآن الكريم
إذا قال الله فمن أحسن من الله قيلا ، وإذا تحدث سبحانه فمن أحسن من الله حديثًا .
قال الله تعالى " وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا ۚ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا " .
وقال سبحانه وتعالى " اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۗ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا " .
فما كان لكلمة أو لفظٍ أن يرد في كتاب الله سبحانه وتعالى في غير موضعه أو في غير حاجة أو داعٍ ، بل إن كل كلمة وكل حرف لا سبيل للتخلي عنها أو إبدالها في نسقٍ مُعجزٍ لا يدع مجالا للشك أو الريب في يقين وإيمان بأنه ما كان لهذا القرآن أن يُفترى، وصدق الله العظيم إذ يقول فيه " وَمَا كَانَ هَٰذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَىٰ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ " .
وتبيانًا وبيانًا لبعض ما أورده القرآن الكريم من أمثلة لبلاغته ودقة اختياره لمفرداته ونسقها ما جاء في آياته بشأن كلمتي الويل والويلة .
يقول الله تعالى في كتابه العزيز : -
" فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ " .{الماعون}
" فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ " . {البقرة}
" اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ " .{إبراهيم}
" قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا ۜ ۗ هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ " . {يس}
" وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَٰذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ " . {الأنبياء}
فالويل في الآيات السابقات يعني العذاب والهلاك ، وقيل إنه وادٍ في جهنم أعده الله لأصناف من العصاه .
أما الويلة فقد تعني الشعور بالفضيحة والخزي للتقصير والعجز كما في قصة ابني آدم في قوله تعالى " فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ ۚ قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي ۖ فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ " {المائدة} ،
، وقد تأتي بما يشي بالشعور بالتعجب كما في قوله تعالى " قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ " . {هود}
فلسان حال السيدة سارة زوج سيدنا إبراهيم عليه السلام العجب من أن تلد مع كونها إمرأة عجوز وزوجها شيخ طاعن في السن .
وقد تأتي كلمة الويلة بمعنى الشعور بالفضيحة المخزية والعار كلونٍ من العذاب والعقاب كما ورد في كثير مما سيتعرض له الكفار والعصاه يوم القيامة لما ارتكبوه من أعمال وأفعال مخزية وفاضحة ودوا وأحبوا لو لم يطلع عليها أحد ، فكان عقابهم من جنس عملهم ، كما جاء في الآيات الآتي ذكرها : -
" وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا " . {الكهف}
وقد تأتي الويلة بمعنى الحسرة والندامة كما في قوله تعالى " وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ، يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ، لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ۗ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا " . {الفرقان} .
فسبحان من هذا كلامه ، ورزقنا الله وإياكم حسن تلاوته ، وتدبر آياته ، والعمل به .
وصلِّ اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .