هل سنرى الله عز وجل يوم القيامة ؟
نعم وحقًا سيرى المؤمنون ربهم يوم القيامة في الجنة رأي العين ؛
وليس أدل على ذلك من قوله تعالى في كتابه العزيز " وجوه يومئذ ناضرة * إلى
ربها ناظرة " ( سورة القيامة ٢٢-٢٣ )
وقد ثبت
ورسخ لدى أهل العلم إجماع ٌ على رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة ومن قبلهم الصحابة
والتابعين ومن تلاهم من أهل الفضل والهدى .
دلائل الرؤية
كثيرةٌ هي ما ساقه أهل العلم من دلائل وبراهين سواء من كتاب الله أو من السنة المطهرة على
رؤيته سبحانه وتعالى من قبل المؤمنين بينما يتنعمون في الجنة مثل قوله تعالى
" كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون
" ( سورة المطففين ١٥) .
فقد ورد
في تأويل هذه الآية على لسان الشافعي أن حجب من باءوا بسخط الله عن ربهم وعن رؤيته
يقتضي بالضرورة أن يحظى من نالوا مرضاته برؤيته .
وليس
بعد قوله صلى الله عليه وسلم مجالاً للشك أو ثمة مدعاة للريب تنال من حقيقة رؤية
المؤمنين لربهم في الجنة يوم القيامة وكما ورد في الحديث الشريف في الصحيحين من حديث
جرير بن عبد الله البجلي إذ يقول " كنا جلوسًا مع النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة، فقال "
إنكم سترون ربكم عياناً كما ترون هذا، لا تضامون في رؤيته .
وقال
صلى الله عليه وسلم " إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى: تريدون
شيئًا أزيدكم ؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا ؟ وتنجنا من النار؟. قال:
فيكشف الحجاب ، فما أُعطوا شيئًا أحبّ إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل" ثم
تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) فالحسنى
هي الجنة والزيادة هي تمام النعمة بالنظر إلى وجه الله الكريم .
كما
ورد بالصحيحين من حديث أبي هريرة " أن
ناسًا قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تضامون في رؤية القمر ليلة البدر" ؟
قالوا لا يا رسول الله قال هل تضامون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب ؟ قالوا لا يا
رسول الله ، قال فإنكم ترونه كذلك الحديث أي ترونه رؤية صحيحة لا
مضارة فيه .
وقد
ظاهر هذين الحديثين متنًا ومعنى الكثير من أحاديث الصحابة المتواترة .
ماذا عن رؤية الله في الدنيا
قال
صلى الله عليه وسلم حينما سئل عن المسيخ الدجال " ما من نبيٍّ إلَّا وقد أنذر
قومَه المسيخَ الدَّجَّالَ، لقد أنذر نوحٌ قَومَه ولعَلَّه سيُدرِكُه بعضُ من رأى
أو سَمِعَ كلامي. قالوا: يا رَسولَ اللهِ، فكيف قلوبُنا يومَئذٍ. قال: مِثلُها
-يعني اليومَ- أو خَيرٌ، ولكِنْ سأقولُ لكم فيه قولًا لم يقُلْه نبيٌّ لقَومِه:
تعلَمونَ أنَّه أعوَرُ، وإنَّ رَبَّكم ليس بأعوَرَ، وتعلَمونَ أنَّه لن يرى أحدٌ
منكم ربَّه حتى يموتَ، وأنَّه مكتوبٌ بين عينيه كافِرٌ، يقرؤُه مَن كَرِهَ عَمَلَه
الراوي
: عبدالله بن عمر | المحدث : ابن العربي | المصدر : عارضة الأحوذي | الصفحة أو
الرقم : 5/75 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
كما
ورد في صحيح مسلم من حديث أبي ذر قوله لرسول الله هل رأيت ربك ليلة المعراج فقال نور
أنى أراه أي كيف أراه .
وجاء
أيضا في صحيح مسلم من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يبين أن هذا النور إنما
هو الحجاب وما حال دون رؤية ربه أو كما قال " إن الله عز وجل لا ينام ولا
ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه، ويرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل
النهار قبل عمل الليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره
من خلقه " .
وهكذا
فقد تظاهرت الأدلة من الكتاب والسنة مؤيدة ومؤكدة رؤية المؤمنين لله عز وجل يوم
القيامة .
أما عن
رؤية الحق سبحانه وتعالى في الدنيا فقد ورد في فتوى لدار الإفتاء المصرية ما يلي :
"
ذهب جمهور العلماء إلى أنه من الجائز عقلاً رؤية الله في الدنيا والآخرة وما كان
سؤال سيدنا موسى عنها إلا دليلاً على جوازها ، فالنبي لا يجهل قطعًا ما يجوز وما
لا يجوز طلبه من رب العزة .
وأما
من حيث ورود السمع بذلك في الدنيا فقد اختلف أهل السنة والجماعة في وقوع الرؤية
لأحد من الناس في الدنيا ، فمنهم من قال لم يرد السمع إلا بما يدل على الرؤية في
الآخرة فقط ، بل الذي جاء به السمع هو امتناع رؤية أحدٌ من الناس ربه قبل الموت ؛
وذلك لما ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال (تَعَلَّمُوا أَنَّهُ لَنْ يَرَى أَحَدٌ
مِنْكُمْ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يَمُوتَ) رواه مسلم
وأردفت
دار الإفتاء أنه ذهب الأكثرون إلى أنه قد دل السمع على جواز رؤية الله تعالى في
دار الدنيا، ولم تثبت في الدنيا لغير نبينا صلى الله عليه وآله وسلم ، والراجح عند
أكثر العلماء أنه صلى الله عليه وسلم رأى
ربه سبحانه وتعالى بعيني رأسه لا بقلبه، إلا أن مسألة رؤية سيدنا محمد صلى الله
عليه وسلم لربه في الدنيا محل خلاف بين الصحابة أنفسهم فليس ثمة ما يدعو في باب
العقيدة إلى الجزم بقول من القولين، وإن كنا نرجح في ذلك مذهب الجمهور من الصحابة
ثم من بعدهم من الأئمة والعلماء، وهو إمكان رؤية الله عز وجل في الدنيا، بل دل على
وقوعها أيضًا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم».
وأوضحت
دار الإفتاء: «أما من ادعى رؤية الله تعالى في الدنيا يقظة فهو ضال، وذهب بعض
العلماء إلى تكفيره، كما أنه لا نزاع في وقوعها منامًا وصحتها، وبناء على ما سبق فإنه
يجوز عقلًا وشرعًا رؤيته عز وجل في الآخرة باتفاق أهل السنة والجماعة، أما في
الدنيا فلا نزاع في وقوعها منامًا وصحتها ، أما يقظة فاختلف الصحابة ومن بعدهم في
حصول ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من عدمه، أما غيره صلى الله عليه
وآله وسلم فلا تصح دعواه الرؤية في اليقظة، ومن زعمها كان من الضالين " .
جعلنا
الله وإياكم ممن صدق فيهم قوله تعالى " للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ".
وصل
اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .