والله لقد سمعت من محمد آنفًا كلامًا ، ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن . والله إن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإن أعلاه لمثمر ، وإن أسفله لمغدق . وإنه ليعلو ولا يعلى عليه ، وما يقول هذا بشر .
هذه شهادة أشد الكفار عداوة للإسلام في القرآن ، عندما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلوه في صلاته ، فانطلق إلى قومه من بني مخزوم مفتونًا به ومأخوذًا ببلاغته ومُقرًا بإعجازه ، ولما لا وهو من هو في قومه قد عُرف عنه علمه بكلام العرب وفصاحته وحفظه لشعرهم .
عظمة القرآن في ألفاظه
لا يختلف أحد أيا ما كان مؤمنًا بالقرآن أو غير مؤمن به ؛ أن القرآن الكريم نسيج وحده ؛ لا مثيل له ولا نظير في ألفاظه والتي تتصف بالإعجاز في نظمها وتراكيبها بحيث تستعصي وتتأبى على التبديل والإحلال ، فلا تملك إزاء ذلك إلا التسليم بها على ما هي عليه إقرارًا بإعجازها وإعجاز كتابها .
ولعل من أبرز ما تتصف به ألفاظ القرآن من جمال وروعة ما اشتهر بعضها فيما بين علماء اللغة بوصف الألفاظ الاهتزازية .
جمال الألفاظ الاهتزازية
وهي ألفاظ ورد بها أحرفًا مكررة على نسق مبهر وذو رنين غاية في الجمال حتى لكأنه ينطق بالمعنى جليًا كما في قوله تعالى " الآن حصحص الحق " على لسان زوليخة إمرأة العزيز إذ تعلن ومن خلال هذا اللفظ الرائع " حصحص " عن انقشاع ما نزل بيوسف عليه السلام من ظلم اتهامه كذبًا وزورًا ، فجاءت لفظة " حصحص " كأجمل وأكمل لفظة معبرة عن معنى لانبلاج الحق وظهوره جليًا .
وفي قوله تعالى " متكئين على رف رف خضر وعبقري حسان " يأخذ بالألباب لفظ " رفرف " كأروع ما يكون للتعبير عن عظمة وعلو ما يتمتع به أهل الجنان من نعيم ورفاهية .
وقوله تعالى " كلا إذا دكت الأرض دكا دكا ، وجاء ربك والملك صفا صفا " تأتي لفظة " دكا دكا " لتعبر عن هول ما سيصيب الأرض من أمرعظيم ومزلزل لها ، بينما تأتي لفظة " صفا صفا " لتعبر عن جلال وهيبة الموقف العظيم يوم القيامة .
وتأتي الألفاظ الاهتزازية لتتصف بقوتها وتتميز بجرسها الخاص حتى تكون مؤهلة للإفصاح عن المعنى في بزوغ وسطوع لغوي رائع .
ويأتي قوله تعالى متحديًا ومُفصحًا عن أن يُأتى بمثله من إنسٍ أو جنٍ على السواء فيقرر " قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا " .
فسبحان من هذا كلامه وقرآنه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .