ماهي الصلاة النارية وما حكمها
ما من مسلم إلا ويدرك فضل ومكانة وقدر الصلاة على النبي صلوات الله وسلامه عليه ، وليس أدل على ذلك من قوله تعالى في كتابه العزيز " إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا " .
ولعل من أشهر صيغ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ما تسمى بالصلاة الإبراهيمية في النصف الثاني والأخير من التشهد في صلواتنا .
ماهية الصلاة النارية وسبب تسميتها
هي صلاة لا ركوع فيها ولا سجود ولها صيغة خاصة وهي " اللهم صلِّ صلاةً كاملة وسلِّم سلامًا تامًا، على نبيٍ تنحلُ به العقد، وتنفرج به الكرب، وتقضى به الحوائج وتنال به الرغائب وحسن الخواتيم، ويستسقى الغمام بوجهه الكريم وعلى آله " .
وقد سميت هذه الصيغة من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بالنارية لأنها تحقق لمن يتلوها رغائبه وما يرجوه من آمال سريعًا كما تسري النار في الهشيم بفضل الله تعالى ورحمته ، أو لإنهاء تطفئ نار الفتنة سريعًا .
وسميت هذه الصيغة أيضا بأسماء أخرى مثل الصلاة التفريجية لأنها تعجل لمن يواظب عليها محققة له الفرج من كل كرب وهمّ .
وسميت بالصلاة القرطبية نسبة للقرطبي ، وبالصلاة التازية نسبة للشيخ العارف بالله إبراهيم التازي الوهراني ، ويقال أن هذين الأسمين أي القرطبية والتازية هما أصل مسمى هذه الصيغة من الصلاة .
ومن متطلبات تمام الفائدة للصلاة النارية وكما ورد على لسان الدكتور أحمد ممدوح أمين الفتوى بدار الإفتاء أن يتصف مؤدوها بالضراعة إلى ربهم وأن تُردد قولاً وعددًا يبلغ أربعة آلاف وأربعمائة وأربع وأربعين مرة بنية قضاء الحاجة سواءً فرادى أو في جماعة ، ولا يشترط أن تكون في مجلس واحد ، فيمكن تقسيمها على مجالس متفرقة ، كما يجوز تقسيمها بين العديد من الأشخاص بحيث يختص كل منهم بجزء أو بعدد معين .
حكم الصلاة النارية ومشروعيتها
والصلاة النارية بصيغتها المعروفة وكما أقرت دار الإفتاء المصرية جائزة شرعا ولا غبار عليها تأسيسا على أن الذكر والصلاة أمر يُتوسع فيه سيما وأنها توافق ما حث عليه أهل العلم بالكتاب والسنة النبوية من مأثور في العبادات ما لم يكن مخالفًا لها ، وهذه الصيغة من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وردت في كتب الأدعية والصلوات وقبلها العلماء دون ما ثمة اعتراض .
جدل حول مشروعية الصلاة النارية
وقد أثار البعض جدلاً حول حكم ومشروعية الصلاة النارية فرآها غير جائزة بل ذهبوا لأبعد من ذلك واعتبروها محرمة لأنها لم تثبت عن النبي صلوات الله وسلامه عليه ولما تشتمل عليه من صفات لا تجوز إلا لله وحده ، إذ لا يفرج الهموم والكروب كما لا يقضي الحاجات إلا الله سبحانه وتعالى والذي قال في كتابه " أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تذكرون " .
وفي ذات المعنى يأتي قوله صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة رضي الله عنها " اعملي ما شئت فإني لا أغني عنك من الله شيئًا " رواه البخاري ومسلم .
كما زاد البعض تأييدًا للإتجاه السابق بحرمة الصلاة النارية ما قاله صلى الله عليه وسلم حين سُئل عن كيفية الصلاة عليه فذكر قولوا " اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» رواه البخاري ومسلم .
بيد أن المتأمل للأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قد جاء مطلقًا من أي قيد سيما الصيغة إذ يقول المولى جل وعلا " إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين صلوا عليه وسلموا تسليما " .
وعن الصفات والمعاني الواردة بالصيغة في الصلاة النارية ، فما من خلاف بين أهل العلم على أن عُقد الجهل والجاهلية والشرك قد حُلّت به صلى الله عليه وسلم ، وبه صلوات الله وسلامه عليه يُتوسل يوم القيامة إذ لا يضطلع ولا يقوى عليها من الأنبياء سواه .
ولفظة " به " كما وردت في الصيغة تعني لُغةً التوسل بالنبي أن يفرج الله الكروب والهموم وأن يقضي الله كرامةً لمن يُتوسل به الحاجات ، ولا يُقصد بها البتة نسبة الفعل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإنما الذي يكشف الهم ويزيل الكرب ويقضي الحاجات هو الله جل في علاه .
وغاية الأمر أن الصلاة علي النبي صلى الله عليه وسلم وبغض النظر عن مسماها ، فضلٌ مأمور به المسلم دون التقيد بصيغة معينة إلا ما اشتملت على لفظ الصلاة على النبي أو صلِّ اللهم على النبي .
اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .