الخَضِر أحد عجائب سورة الكهف
recent
أخبار ساخنة

الخَضِر أحد عجائب سورة الكهف


Al-Khidr is one of the wonders of Surat Al-Kahf

الخَضِر أحد عجائب سورة الكهف


سورة الكهف ما أعجبها من سورة ، وما أعجب ما قَصّته من قَصَص يفيض بالحكمة والعبر ما تأنس به النفسُ المؤمنة فتزداد إيماناً مع إيمانها .

ومن هذا القَصَص قصة سيدنا موسى عليه السلام مع العبد الصالح ، مَنْ وصفه القرآن برحمةٍ من عند الله وعلمٍ من لدن العليم الحكيم .

وتبدأ القصة بإعلان سيدنا موسى لفتاه وخادمه وطالب علمه يوشع بن نون بعزمه على المُضي قُدماً حتى يبلغ ملتقى البحرين ، بحر الروم وبحر الفرس ، ولو كلفه هذا قطع الزمان حُقُبا ، حتى يلتقي عبداً أبلغه ربُ العزة بخصوصية وقدر علمه الذي يتجاوز أسباب الأرض إلى علياء العلم اللدني ، وليعلم أن العلم كله لله وحده ، وأننا نحن البشر ما أوتينا من العلم إلا قليلا .

فما الذي حمل موسى عليه السلام على خوض غمار هذه الرحلة الشاقة وما كانت غايتها ؟ .


أسباب الرحلة وغايتها


اعتلى موسى عليه السلام ذات يوم منبر الخطابة في قومه بني إسرائيل فسألوه عن أعلم أهل الأرض قاطبة فأجابهم أنه هو ، فأوحى إليه ربه مُعاتبا ألا يرد العلم والفضل كله إلا لله ، وأخبره أن ثمة عبدٍ صالح أعلم منه سوف يجده عند مجمع البحرين ، وأمره أن يأخذ معه حوتاً أي سمكة ويجعلها في مكتل ( قفة من ورق النخل يُحمل فيها التمر أو نحوه ) ، وأعلمه بأن مكان اختفاء الحوت هو ذاته مكان العبد الصالح كما في الآيات " وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَٰذَا نَصَبًا قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ۚ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا قَالَ ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ ۚ فَارْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصًا فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا " .

لاشد ما يثير الغرابة ونراه مقصودا في قصتنا هو ما عمدت إليه الآيات من جعل زمان ومكان القصة مجهولاً ، وأغرب وأعجب منه ما أحاط بها من أحداث كبعث الحوت من موته ، ونسيان فتى موسى ما رآه بعيني رأسه من هذا البعث ، ثم هذا العبد الصالح وعمدية ألا يذكر اسمه وكذلك فتى موسى ، وكأنما تريد الآيات إخبارنا بألا وزن للأسماء والأزمان والأماكن ، وإنما العبرة بالعبر والحكم والرسالة المرجوة منها ألا وهي " أن لله في خلقه شئون " وأن لله عبادا مُخَلصين اختصهم الله بفضل من عنده أولي شأن عند ربهم لو أقسموا عليه لأبرهم مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم "رُب أشعث أغبر مدفوعٌ بالأبواب لو أقسم على الله لأبره"  .

 

الرحلة


والتقى موسى عليه السلام العبد الصالح وأخبره بنيته في تلقي العلم عنه وإصراره على ذلك والصبر عليه ، رغم تحذير العبد الصالح له بألا طاقة له بعلمه وكما ورد بالآيات " قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا " .


أحداث الرحلة وعجائبها


وما إن انطلقا حتى مرت بهما سفينة فركبا فيها دون أجرة لمعرفة أصحابها بالخَضِر والذي ما لبث أن أتى بفعل أثار حفيظة موسى واستنكره نكراناً شديداً ، لقد خرق العبد الصالح السفينة وبدا هذا الفعل لموسى شيئاً إمرا أي عظيماً منكرا ،  ولم يكن رد الخضر على موسى إلا أن ذكّره بما اتفقا عليه فأبدى موسى اعتذاره ونسيانه وألا يرهقه من أمره عسرا .

   ويُروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أن عصفوراً وقع بحرف السفينة ليشرب فنقر نقرة في البحر فقال الخضر لموسى ما علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر".

ثم نزلا من السفينة وسارا حتى لقيا غلاما يلعب ويلهو مع رفاقه ، فإذا بالخضر ينتزع رأس الغلام عن جسده فقتله ، فَهُرع موسى إلى إنكار ما رآه فعلاً شنيعاً منكرا ، أن قتل العبد الصالح نفساً زكية بغير حق ، فما كان من الخضر إلا أن ذكّره بشرط مصاحبته دون سؤاله حتى يحدث له منه ذكرا ، فأقر موسى ببلوغ العبد الصالح منه كل العذر ، وألا حرج عليه إن فارقه إن خرق الشرط ثالثة .

   ثم انطلقا حتى أتيا أهل قرية لئيمة أبت أن تطعمهما ، فوجدا فيها جداراً يوشك أن يقع فأقامه الخضر دون أجر فعاتبه موسى على فعله ولامه أن لو نال منهم الأجر لأكلا ، وحينها أعلن الخضر فراقه لموسى ، ولكن ليس قبل أن يفسر ويبرر له ما استعظم واستغلق على موسى إدراكه من حكمةٍ بالغة مردها رحمةٌ من عند الله وعلمٌ من لدنه .

فما كان خرق السفينة وعيبها إلا نجاةً لمساكين يعملون عليها من بطش ملك جائر يأخذ كل سفينة غصبا .

وما كان قتل الغلام إلا رحمة به وبوالديه الصالحين من طغيانه وكفره بإبدالهما بغلام خير منه زكاة وأقرب رُحما .

وما كان إقامة الجدار المائل وإصلاحه إلا حفظاً لكنزٍ تحته لغلامين يتيمين ، وجزاءً لأبوهما الصالح ، ورداً على مكر القرية اللئيمة ، والتي أبت إطعام عابري سبيل ، ولم يكن ليردعها ثمة رادع عن أكل مال اليتيمين وسرقة كنزهما إن تكشف لها أمره .

 

الخَضِر كأنه القدر


في قصة الخضر مع موسى عليه السلام ما يقدم تفسيراً وتأويلاً لقضية طالما شغلت عقول العلماء فضلا عن العوام وحارت فيها ولم تزل ، ألا وهي قضية القدر وما يستعصي على الإنسان إدراكه من أسبابه واختلافه بين الخلائق من حيث العطاء والمنع بين غنى وفقر وصحة ومرض إلى آخره من معان المنح والمنع واختلافهما بين الناس مما قد يجعل الإنسان يتساءل مردداً قالة " لماذا " غير مدرك لحكمة الخالق من أحاط بكل شيء علماً مطلقاً .

فقد يصاب الإنسان بفاجعة كالتي وقعت بسفينة المساكين بخرقها وعرضتهم للهلاك ويرى فيها شرٌ مبرم ، ثم يتكشف له بعد حين كما تكشف لمساكين السفينة أنها عين الرحمة وسبب النجاه من فاجعة أعظم .

وقد يصاب الإنسان بمصاب عظيم كموت الإبن في قصتنا ويظل حزينا طيلة عمره حتى موته غير مدرك لعين الحكمة في مصابه وأنه كان عين الرحمة ، دونما تكشف لها .

وقد يصرف الله عن الإنسان شراً دون أن يدري ، أو قد يسوق إليه خيراً دون علمه وإدراكه ، فقد سخر الله لليتيمين في قصتنا رسولاً وعبدا صالحاً للحفاظ على كنزهما دون علمهما إلى قيام الساعة ودون ما فهم لسيدنا موسى لمغزى الفعل .

فما أحرانا إلى التسليم بقضاء الله وقدره ، من لا علم إلا علمه ، ولا يُسئل عما يفعل ، وإليه يُرجع الأمر كله .

وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


google-playkhamsatmostaqltradent