النملُ آيةٌ وإعجاز
ما أنزل الله في كتابه الكريم سورةً باسمه عبثاً أو باطلا ، ولكن تصديقاً وتبصرةً لكل ذي عقل وقلب ، ففي عالمه ، عالم النمل تعلم الإنسان مما تكشف له من حقائق علمية وأشارت وألمحت إليه الآيات ، أنها مملكة عظيمة الشأن والأركان بكل ما تحمله الكلمة من معان .
حشرةُ النمل
ينتمي
النمل إلى عالم الحشرات الإجتماعية التي أودعها الله أسراراً خلقية ومسلكية عظيمة
مازال العلم يستكشف بعضها محققاً قوله تعالى " وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي
الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ ۚ مَا
فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ "
.
حيث
يعيش النمل في مستعمرات يقوم بإنشائها وهندستها في تكاتف وتعاون عجيبين حتى أن كل
من أفرادها يعلم جيداً ما عليه من واجبات تلزمه وما عليه الأضطلاع بها دون ما تهاون
أو تفريط ، وتبلغ هذه المستعمرات من الحجم والسعة ما دعا القرآن إلى وصفها بالواد ،
وقد توصل العلماء إلى اكتشاف أن للنمل مدناً يتخللها منازل وشوارع وثمة طرق ومعابر
، وأن النمل على دراية كاملة وواقعية بكيفية استعمالها والوصول من خلالها إلى بيوتها
دون ضلال أو انحراف ، بل إن لهذه البيوت مرافق قد أحُكمت لخدمتها وبقائها مؤدية
لمهامها على أكمل وجه ، حيث نجد لها أبواباً وفتحاتٍ للتهوية ، ومخازن عديدة
لتخزين وإدخار الطعام ، وأماكن أخرى لتناوله ، وأماكن لتربية الصغار كما لو كانت حضانة
لهم ، وأماكن وغرفاً ملوكية لتبيض بها الملكة النمل الصغير ، وأماكن مخصصة كمشتى
للنمل ، وأخرى مخصصة لدفن الموتى .
ولكم
أن تتخيلوا كم يحتاج النمل من الجهد الجهيد لبناء هذه البيوت والغرف والتي قد تبلغ
المئات ، حيث يبلغ عمق بعض المستعمرات خمسة أمتار باتساعٍ يصل إلى سبعة أمتار ،
ومثل هذا العمل يحتاج إلى نقل ما لا يقل عن أربعين طناً من التراب إلى الخارج ،
ولا ريب أن هذا العمل يمثل إعجازا مذهلاً بالنظر إلى حجم النمل وضعفه .
لغةُ النمل
قال
الله تعالى " حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا
عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا
مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا
يَشْعُرُونَ " .
فقد
توصل العلماء إلى وجود ما يمكن وصفه بالشفرة الكيميائية التخاطبية بين النمل ، وهي
عبارة عن رائحة خاصة به كشأن سائر الحيوانات ، ويضاف لهذه الرائحة روائح أخرى
عديدة كتمييز لها وتحديد لأصنافها وأنواعها وأفرادها داخل المملكة كما لو كانت
تمثل بطاقة هوية لكل فرد ، وقد أطلق العلماء على هذه الرائحة مسمى الفرمونات .
ويستخدم
النمل هذه الفرمونات كلغة للتعارف فيما بينه، وكذلك في الكشف عن الدخلاء في
المملكة وبالتالي محاربتهم كأعداء وطردهم من المستعمرة .
وقد
رصد العلماء في هذا الشأن عجبا ، إذ تقوم النملة فور رصدها طعاماً بإفراز الفرمون
لوضع علامة عليه ثم تعود إلى عشها ، فإذا ما اصطحبت أقرانها إلى مكان الطعام ثانيةً
مستهديةً بالفرمون لم تضل الطريق وبلغه النمل بكل دقة .
وفي ظل
ما ساقته الآية الكريمة من لفظة " قالت نملة " لا نتفق ومع عظيم
احترامنا لجهود العلماء مع ما اعتبروه لغة ممثلة في الرائحة أو ما أسموه بالفرمون
، لأن اللغة التي تحدثت بها النملة في قصتها مع سليمان وجنوده بعيدة كل البعد عن
تلكم اللغة الكيميائية الإرشادية والتي تعتمد الرائحة أو الفرمون مداداً لها ، ذلك
أن صراحة اللفظ في " قالت نملة
" تقطع بثمة لغة أي كلام بيد أننا لا نفقهه ولن نفقهه مصداقاً لقوله تعالى "
تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ۚ وَإِنْ
مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ
ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا " .
ثم إن
تأمل ما رددته النملة من كلمات في خطابها لأخواتها ليؤكد أنها لغة تعجز الرائحة
مجردة أو الفرمونات عن التعبير عنها أو بيانها خاصة إذا ما علمنا دقتها الفائقة وتطابقها
المذهل مع ما توصل إليه العلم من حقائق علمية بشأن جسد النملة بما تتصف به من
صلابة شديدة إذا ما تعرضت لضغط تحطمت حيث يتفق هذا مع مقولة النملة واستخدامها للفظة
" لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون " .
عقلُ النملة
تعكس الآية
الكريمة بما تحويه من كلمات عظم ما تتحلى به النملة من صفات لا تُصدق ، وإلا فكيف
عرفت وحددت النملة مكان سيدنا سليمان وما سوف يسلكه من طريق ، ثم قدرت حجم الخطر المُحدق
بها وبأخواتها إلا أنها تملك قدرات خارقة أكتشفها العلماء مؤخرا ، حيث اكتشفوا أن
النملة تملك دماغا ذا فصين أشبه ما يكون بدماغ البشر ويحوي خلايا عصبية حساسة
ومراكز عصبية غاية في التطور والتعقيد ، الأمر الذي يفسر عجائب ما تم اكتشافه من
سلوكيات النمل تعكس قدرات ذهنية وذكاء عجيبين مثل ما يتبعه من سياسات عجيبة بشأن
جمع غذائه ، إذ رصد العلماء مسلكا عجباً للنمل عند جمع البذور وتخزينها حيث تقضمها
وتشطرها إلى نصفين قبل التخزين كي لا تنبت ويتضاعف حجمها ويصعب إدخالها المخازن ،
وأشد منه عجباً تصرفه إزاء بعض الحبوب ذات الفلقتين والتي يمكن لأي منهما أن تنبت
بمفردها ، إذ يعمد النمل إلى شطرها إلى أربع ، ناهيكم عن قدرة النملة وما يتفتق
عنه ذكائها من حيل في حمل ما يفوق حجمها ووزنها أضعافاً مضاعفة ، فسبحان من خلق فقدر
ثم هدى .
النملُ يربي البقر
أما
عجيبة العجائب والتي تحار فيه العقول أن تعلم أن النمل يربي ويرعى خنافس صغيرة كما
يرعى الإنسان البقر ، بيد أن النمل فاق الإنسان في تسخير الكثير من حشرات أدنى منه
مرتبة مثل ما يسمى ببق النمل حيث يبعث النمل برُسله لجمع بيض البق ثم يقوم على
تربيته ورعايته حتى يفقس يرقات تنتج ما يسمى بعسل النمل يقوم بحلبه طائفة محددة من
النمل لا عمل لها إلا حلب هذا العسل والذي يفوق ما تنتجه البقرة التي يرعاها الإنسان
بمائة ضعف بالنظر إلى التفاوت في الحجم بينهما .
وصدق
الله العظيم إذ يقول في كتابه العزيز " إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما
بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم ، وأما الذين كفروا
فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا ، يضل به كثيراً، ويهدي به كثيراً ، وما يضل به
إلا الفاسقين .
وصلّ اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .