القلب
من أوجه الإعجاز العلمى فى القرآن
لطالما توقفت كثيراً عند هذه الآية القرآنية قليلة المبانى عظيمة المعانى ألا وهى " واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه " . صدق الله العظيم .
ولِأن القلب ساحة الآمال والأمانى ومرتعها حُق لهذه الآية أن تحذره منبهةً صاحبه أن الله أملكُ لقلبك منك وقادر على أن يمنعك ويحجزك عن آمالك وطموحاتك ؛ فقلوب العباد وكما أخبرنا صلى الله عليه وسلم " بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء " .
ولِأنه وكما يبدو جليا من اسمه مُتقلبُ الحال غير ثابت على منوال كثير الأهواء والمآل بات على المؤمن الحق لزوم الدعاء بثبوت القلب على الإيمان والإسلام فى الدارين ؛ قال الله تعالى " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء " .
وقال صلى الله عليه وسلم " يا مقلب القلوب ثبت قلبى على دينك " .
ماهية القلب
ظن الناس لدهور بعيدة أن القلب مجرد مضخة تقف وظيفته عند مجرد ضخ الدم ودفعه إلى رئتى الإنسان لتنقيته ثم إعادته لضخه ثانية إلى كل أجزاء الجسم دون استثناء ؛ وعلى الأخص المخ والذى إن توقف ولو لدقائق معدودات لبات الإنسان فى عداد الأموات .
بيد أن القرآن أورد فى القلب معانٍ أخرى كثيرة ومتنوعة تحار فيها العقول والقلوب على حد سواء .
أنواع القلب فى القرآن
وكثيرةٌ هى الآيات التى ذكرت للقلب أصنافا وألوانا بلغت العشرين ؛ فمنها القلب السليم إذ يقول الحق " إلا من أتى الله بقلب سليم " .
ومنها القلب المنيب فى قوله تعالى " من خشى الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب " .
ومنها القلب الوجل فى قوله تعالى " والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون " .
ومنها القلب التقى فى قوله تعالى " ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب " . إلى آخر الآيات التى تصف القلب بأوصاف الصلاح والفلاح .
وآيات أخرى أوردت من القلوب أوصاف العصيان والكفر وعياذا بالله مثل القلب الاعمى فى قوله تعالى " فإنها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور " .
والقلب الآثم فى قوله تعالى " ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه " .
والقلب الغليظ فى قوله تعالى " ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك " .
والقلب القاسى فى قوله تعالى " وجعلنا قلوبهم قاسية " .
إلى آخر الآيات والتى تصف القلب بأوصاف مثل الغفلة والزيغ والريبة والغُلف .
وإذ لم يقف الامر عند هذا الحد بوصف القلب بالعديد منها بل تخطى الأمر إلى ما هو أبعد بكثير فأورد القرآن العجيب من الآيات ما سيقف عنده البحث والدرس إلى قيام الساعة .
فتارة يصف القرآن القلوب بالتعقل بما يشى بكونها محلا لوزن الأمور ووضعها فى نصابها
قال تعالى " أفلم يسيروا فى الأرض فتكونَ لهم قلوبٌ يعقلون بها ؛ أو آذان يسمعون بها ؛ فإنها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور " .
بل ارتقى القلب إلى ما هو أسمى من مجرد عقل الأمور إلى منزلة الفقه والتفقه
قال تعالى " ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوبٌ لا يفقهون بها ؛ ولهم أعين لا يبصرون بها ؛ ولهم آذان لا يسمعون بها ؛ أولئك كالأنعام بل هم أضل ؛ أولئك هم الغافلون " .
هكذا جعلت الآيات الإنسان يعقل ويفقه بقلبه إلى جوار سمع الآذان وإبصار البصر جنبا على جنب سواء بسواء .
من أوجه الإعجاز العلمى فى القرآن
وهكذا بات القلب وبلا منازع أهم وأخطر أعضاء الجسم فى القرآن ؛ فهو الذى يكسب الحسنات ويقترف السيئات فيكون صالحا أو فاسدا ؛ وينضح بحاله على سائر الجسم والاعضاء ؛ بحيث يتوقف صلاحها وفسادها عليه ؛ مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم " ألا وإن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله إذا فسدت فسد الجسد كله ؛ ألا وهى القلب " .
هذا ولم يزل العلم حتى وقتنا وسيظل يكتشف ما للقلب من أهمية عظيمة ووظائف تتخطى كل التصورات والتوقعات ؛ وما ساد فى عصور ولت ولم تعطه حقه مثلما أعطاه القرآن .
فقد ثبت علميا أن للقلب مخططا كهربائيا يفوق ما للمخ بمائة ضعف ؛ وأن نبضة القلب تولد طاقة مغناطيسية تفوق ما يولده المخ خمسة آلاف ضعف ؛ وبهذه النبضات يتواصل القلب مع المخ وسائر الأعضاء منسقا وظائفهم عبر الشبكات العصبية والدموية وهذا ما أثبته الدكتور بول برسال فى كتابه شفرة القلب (Paul Pearsall : The Heart Code ) .
ومما يثير الدهشة ثبوت أن الإنسان يفقد بعضا من ذكرياته على أثر إجرائه عملية جراحية بالقلب مما دفع بعض العلماء إلى استنتاج أن القلب ربما يكون محلا للذكريات ومستودعها .
وقد توصل العلماء فى جامعة بيل الأمريكية ومعهد هارتمان بولاية كاليفورنيا (Yale University and Hartman Institute ,California )إلى أن القلب يملك جهازا عصبياً يشبه ما للمخ تماما ؛ وأن له ذاكرةً قريبة وبعيدة ؛ وقد ثبت بالتجربة أنه عند نقل قلب من إنسان إلى إنسان آخر ؛ أن الأخير يأخذ مع القلب المنقول إليه ما للإنسان المنقول منه القلب ؛ مشاعره وذكرياته وهوياته وخبراته .
وصدق الله العظيم إذ يقول " ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا " .
وقال تعالى " سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق " .
فمما سبق يتبين أن هذا القرآن العظيم ما كان لينبئنا إلا بالحق ؛ وما كان ليأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه ؛ وأن الله حافظه إلى قيام الساعة شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا .
هدانا الله وإياكم إلى صراطه المستقيم .
إنه ولى ذلك والقادر عليه .
وصلاة وسلاما على خير خلق الله