من هو الصحابي الطّيار
إنه الصحابي الجليل جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي ، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وشقيق علي بن أبي طالب ، وأمه فاطمة بنت أسد ابن عبد مناف ، وكان جعفر ممن سبق إلى الإسلام ، وكان أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم خَلقًا وخُلـُقًا ، فهو الذي قال " أما أنت يا جعفر فأشبهت خَلقي وخُلُقي " .
وقد حظي جعفر بالهجرتين إلى الحبشة والمدينة المنورة ، وصحبته زوجته أسماء بنت عميس إلى الحبشة ، وبعد استشهاده تزوجت من أبي بكر الصديق.
ألقابه رضي الله عنه
تعددت ألقاب جعفر وتنوعت ، ولعل من أشهرها وصفه وتلقيبه بذي الجناحين أو طّيار الجنة ، إذ ورد بكتب السيرة ما كان منه من شجاعة وإقدام في المعارك بلغت حدا لا يُصدق سيما في معركة مؤتة حيث ظل يقاتل حتى قُطعت يديه ، فابدله الله بهما جناحين يطير بهما في الجنة ، كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن وقتها أطلق عليه الصحابة وصف جعفر الطّيار ، حتى أن سيدنا عمر رضي الله عنه كان كلما لقي ابن جعفر قال له السلام عليك يا ابن ذي الجناحين .
أبو المساكين
وقد اشتهر عن جعفر بن أبي طالب حبه الجارف للمساكين ، فكان كثير الجلوس والحديث معهم ، ولم يكن يبخل عليهم بطعام أو شراب ، حتى سماه صلى الله عليه وسلم بأبي المساكين ، وقد شهد له أبو هريرة رضي الله عنه بذلك فقال فيه " وكانَ أخْيَرَ النَّاسِ لِلْمِسْاكِينِ جَعْفَرُ بنُ أبِي طَالِبٍ ، كانَ يَنْقَلِبُ بنَا فيُطْعِمُنَا ما كانَ في بَيْتِهِ ، حتَّى إنْ كانَ لَيُخْرِجُ إلَيْنَا العُكَّةَ الَّتي ليسَ فِيهَا شَيءٌ، فَنَشُقُّهَا فَنَلْعَقُ ما فِيهَا " ويقصد بالعُكّة الوعاء الذي يوضع فيه الطعام، فدلّ ذلك أن جعفر رضي الله عنه كان كريماً سخيّاً جواداً.
جعفر رضي الله عنه والنجاشي
ومن أشهر مواقف جعفر بن أبي طالب حين كان بصحبة المهاجرين إلى الحبشة خير قائد ما ردده من قول ملؤه الإيمان والشجاعة واليقين عندما خطب أمام النجاشي بلسان فصيحٍ ومدافعًا عن الإسلام ورسوله فقال " أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسبي الجواري ، يأكل القوي منا الضعيف ، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه إلى آخر حديثه " وقد كان لحديث جعفر مع النجاشي أبلغ الأثر في إثنائه عن تسليم المسلمين المهاجرين إلى قريش وتركهم ببلده آمنين مطمئنين .
{ هجرة جعفر للحبشة وموقفه القوي مع النجاشي وشجاعته في الحق رضي الله عنه } الدرر السنية .
استشهاده رضي الله عنه
استشهد جعفر بن أبي طالب في غزوة مؤتة بعدما أبلى بلاء حسنا ، وقد حمل الراية بعد استشهاد زيد بن رواحة كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ أمسكها بيده اليمنى حتى أصيب فيها وقطعت فأمسكها بيده اليسرى فأصيبت كأختها وقطعت ، فما تخلى عنها فأمسكها بعضديه ، وظل يقاتل في بسالة منقطعة النظير حتى نال الشهادة .
ويُؤثر عن عبد الله بن عمر قوله عندما وقف على جعفر حين استشهد أنه عدّد مُحصيًا ما كان بجسده ما بين طعنات وضربات ما جاوز الخمسين ليس منها شئ في ظهره .
{ رواه البخاري ، في صحيح البخاري، عن نافع مولى ابن عمر، الصفحة أو الرقم: 4260، حديث صحيح }.
وليس أظهر ولا أبلج من محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعظم قدر جعفر عنده من موقفه صلى الله عليه وسلم يوم استشهاده ، فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت " لما جاءت وفاة جعفرعرفنا في وجه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الحزن .
وعن أسماء رضي الله عنها أنها قالت " دخَلَ علَيَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه ، فدَعا بَني جَعفَرٍ، فرأيْتُه شَمَّهم، وذرَفَتْ عَيناه فقُلتُ يا رسولَ اللهِ ، أبلَغَكَ عن جَعفَرٍ شيءٌ ؟ قال نعمْ ، قُتِلَ اليومَ ، فقُمْنا نَبكي ، ورجَعَ ، فقال اصنَعوا لآلِ جَعفَرٍ طَعامًا ، فقد شُغِلوا عن أنفُسِهم " .
{ شعيب الأرناؤوط ، في تخريج سير أعلام النبلاء، عن أسماء ، الصفحة أو الرقم:211، حديث صحيح } .
أولئك الذين أنعم الله عليهم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن صدقوا الله وصدق فيهم قوله " مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا " .
وصل اللهم وسلم على سيدنا ونبينا وحبيبنا وخليلنا محمد ، عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .